يشترك الأشقاء الفلسطينيون مع أعدائهم وأعدائنا الإسرائيليين في البحث عن وحدة مفقودة، وفي السعي من دون أي جدوى إلى تشكيل حكومة وفاق وطني، فالأمور هنا كما هي هناك والخل هو أخ الخردل، ويبدو ان من عاشر وعايش قوماً أربعين عاماً وليس أربعين يوماً تنتقل عدواهم إليه والمثل يقول: «قلْ لي من هم أعداؤك أقلْ لك من أنت»... والحال من بعضه!
سعى بنيامين نتنياهو، ولا يزال يسعى وقد حصل من شمعون بيريز على مدة اسبوعين كمهلة إضافية، الى تشكيل حكومة «موزاييك» حزبي يشارك فيها حزب كاديما كديكور تجميلي، ليصبح بالإمكان تسويقها على الأميركيين وعلى الأوروبيين وعلى العالم كله مع بقاء المضمون على ما هو عليه والمثل يقول: «إن النمر يستطيع تغيير لون جلده، لكنه لا يستطيع ان يغير طبيعته العدوانية وشراسته». وسعى ويسعى الأشقاء الفلسطينيون الى تشكيل حكومة وحدة وطنية وهم أمضوا أياماً طويلة في القاهرة يدورون حول أنفسهم ويعيدون تكرار ما قالوه المرة تلو المرة ويثبت بعد الحديث عن انفراج أوصلهم الى مشارف الهدف المنشود ان الأمور لا تزال تراوح مكانها، وان كل شيء على حاله، وان المواقف بالنسبة الى القضايا الرئيسية لا تزال على ما كانت عليه، وأن «العقدة» التي هم بصدد التوصل الى حل لها لم يستطع حلَّها ألف حلّال!كل ما قيل عن ان تقدما قد تحقق على طريق الوحدة الفلسطينية - الفلسطينية، وإنهاء هذا الانقسام الجغرافي والسياسي والوطني غير صحيح على الإطلاق، فالأمور لا تزال على ما كانت عليه بل ربما ازدادت سوءاً، والحديث عن عودة الى الحوار سواء بعد اسبوع أو بعد القمة العربية التي بقي على انعقادها ثمانية أيام هي من قبيل «رشِّ السكر على الموت» وهدفه الأخذ بـ«خاطر» الدولة الراعية والمضيفة التي هي مصر والتي أثبتت أنها أكثر حرصاً على القضية الفلسطينية من بعض هذه الفصائل التي تغرد لفلسطين وتبيض في أعشاش مخابرات بعض الدول العربية. إن ما تعانيه إسرائيل بعد هذه الانتخابات الأخيرة ليس أزمة حكومة إنما أزمة كيان وأزمة مجتمع وأزمة دولة غدت بلا قيادات تاريخية، وأيضاً أزمة أخلاق وأزمة وضوح رؤية، وهذا يجعل هذا الشعب الحائر دائماً أكثر حيرة في هذه المرحلة التاريخية، إذ لم تعد حكاية الأرض الموعودة مقنعة، حيث أخذ حتى بعض اليهود يتبرأون من أفعال الجيش الإسرائيلي الشائنة، وباتت تتضح تلك الكذبة الكبرى القائلة: «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». ولذلك، حتى لو تمكن بنيامين نتنياهو من إقناع حزب كاديما بقيادة تسيبي ليفني بالتخلي عن «ممانعته»، والقبول بأن يكون مجرد «ديكور» لحكومة يمينية عنوانها هذا المتطرف أفيغدور ليبرمان، فإن الأزمة التي تعانيها إسرائيل لن تزول، فالأمور أكثر تعقيداً من هذا الإجراء الشكلي، والمأزق أكثر عمقاً من هذه الألاعيب والمناورات السياسية. كاتب وسياسي أردني
مقالات
الحال من بعضه!
24-03-2009