المتقلبون!

نشر في 10-03-2009
آخر تحديث 10-03-2009 | 00:00
 حمد نايف العنزي إذا كنت ممن يعشقون مشاهدة الأفلام العربية القديمة، فهذا يعني أنك معتاد على رؤية العجائب والغرائب في تقلب وترنح وتبدل الانفعالات العاطفية بين أبطالها رأساً على عقب، دون أدنى سبب منطقي أو عقلي!

على سبيل المثال أسرتان متشاحنتان متطاحنتان «حتى العظم» تكره كل منهما الأخرى «كره العمى» وتتمنى لها موتاً جماعياً يزيلها من وجه الأرض، ولكن، ما إن يقترب المشهد الأخير من الفيلم حتى «يطيح بينهما الحطب»، ويصبحا «صافي يا لبن... عسل يا قشطة» فيتزوج الفتى من هذه الأسرة الفتاة من تلك الأسرة بعد قصة حب عنيفة، وترى الكل في الحفل سعيداً و«فرحان أوي» يتحدثون بود ويهنئون بعضهم، و«منك المال ومنها العيال» يا بطل!

وأب «دقة قديمة» ينقم على ابنه «الخنفس» الطائش لأنه وقع في هوى راقصة مخضرمة ذات خبرة وتجربة طويلة في عالم «الهشّك بشّك»، فيهدده بحرمانه من الميراث ويطرده من المنزل، وقبل أن يخرج الفتى من المنزل يضع الأب يده على صدره وهو يتوجع «آه... قلبي قلبي» ليعود الفتى قائلا: «بابا... بابا» ثم فجأة، وفي المشهد التالي، يدرك الأب المنهك والمريض خطأه الكبير، ويؤمن بسمو مهنة الرقص على «الواحدة ونص» ونبل ورقي عواطف الراقصات، فيبارك «الرجل الطيب» الزواج، بل يتبرع بجميع نفقات حفلته الراقصة!

أبطال تلك الأفلام العربية القديمة تتقلب وتتبدل عواطفهم بصورة فجائية من أقصى درجات الكره إلى أدنى درجات المحبة، ومن منتهى الحقد والبغض الى أوسع آفاق التسامح والقبول أو العكس، حسب ما يريد المؤلف ويشتهي المخرج، دون أي اعتبار لعقل المشاهد العربي الذي أدمن قبول هذه التقلبات والتحولات الفجائية دون أي اعتراض بشكل يجعلك تشك في وجوده أصلا!

هذه «التقلبات السينمائية» صرنا نراها اليوم حية على الهواء مباشرة في سياستنا المحلية، وأبطالها المتقلبون المتحولون هم سياسيونا الأفاضل الذين أصبحنا كمتفرجين لا نعرف بالضبط ماذا يريدون؟ وإلى أين هم سائرون؟ وكيف ستكون نهاية فيلمنا المحلي على أيديهم؟!

نائب معارض يقضي عمره في انتقاد الحكومة يتحول في يوم وليلة إلى محام يدافع عنها ويذود عن حماها! ونائب آخر يعارض باستماتة أي مشروع لمعالجة قروض المواطنين ينقلب فجأة إلى مؤيد ومشرّع لقانونها! كتلة سياسية قضت السنين الطوال وهي تطبخ مع الحكومة سياساتها وتتذوق طعمها نيابة عنها تتحول في لحظات إلى خصم عنيف يريد القضاء عليها! حكومة تدافع عن مشاريع كبرى وتصر على سلامة إجراءاتها وأهميتها الحيوية لمستقبل البلد تقوم بإلغائها فجأة ودون سابق إنذار! رئيس وزراء يساند إزالة المخالفات على أراضي الدولة يأمر فجأة بوقف إزالة بعضها، بل يتكفل ببنائها مرة أخرى وعلى نفقته الخاصة!!

سؤال يبحث عن إجابة: متى سيأتي المشهد الأخير ونشاهد كلمة «النهاية»... ليرتاح الجميع من هذا الفيلم السياسي «الماصخ»؟!

***

المراكز الحدودية هي واجهة البلد، وهي أول ما يشاهده الزائر الأجنبي عند دخوله، والمفروض أن تعبر نظافة المرافق فيها ومستوى الخدمات التي تقدمها عن مدى التحضّر والتمدّن الذي وصل إليه البلد وأهله، وهو الأمر الذي يبدو أن القائمين على مركز النويصيب الحدودي لم يدركوه حتى الآن، فالحمامات العامة التي يستخدمها الزوار في وضع مزر ولا يوصف من الإهمال، وقد ابتلاني الله فدخلتها وأنا «على نياتي» قبل أيام، ويا ليتني لم أفعل، فقد كدت أستفرغ من «الصدمة والترويع»!

لا أريد أن «ألوع جبودكم» وأدخل في التفاصيل، ويكفي أن أقول لكم إنه حتى الحيوانات تأنف من القذارة والرائحة الموجودة فيها، والغريب أنه على بعد أمتار من تلك الحمامات كان يجلس عمال التنظيف مرتاحين يتبادلون الأحاديث والنكات وكأنما الأمر لا يعنيهم بالمرة! لكن «الشرهة مو عليهم... الشرهة على اللي أكبر منهم وشايفينهم وساكتين»!

back to top