سقوط مدو لريشة

نشر في 01-12-2008
آخر تحديث 01-12-2008 | 00:00
No Image Caption
 فوزية شويش السالم حين فقدنا زمن الرومانسية فقدنا معه الشعر، وأصبح الشعر العظيم من الجواهر النادرة في حياتنا اليوم، وبات المطروح منه هو آخر ما فيه، أي ذبالته أو حثالته أو ما يسمى بالتفل، وهو الشيء الذي يتماشى مع نمط وشكل حياتنا المعاصر القائم على ظاهرة الاستهلاك والازدراد السريع الذي مصيره إلى النسيان والانطفاء الكامل، ومن ثم إلى مرقده في نفايات الألفية الثانية العظيم، لذا نجد أن دور النشر لم تعد ترحب بنشره، والقارئ لم يعد يبحث عنه. ولكن الشعراء مازالوا يكتبون ومستمرون في إنتاجهم لأن الشعر لم ينته بعد، فما زال فيه شيء من روح تحركه. فماذا يفعل الشاعر بذاته الشاعرة إذا العالم أغلق عنه باب دكانه؟

وأمام هذا الصدود ليس هناك إلا تطوير الذات وأدوات الشعر والبحث عن ملامح وصور جديدة لهوية تميزه عما أتى من قبله، فكل الكتابات المتماثلة والمتشابهة والمقلدة لكل الأساليب الشعرية السابقة لن تنقذ الشعر من كبوته، ولن تعيد إليه بريقه وقارئه المفقود؛ لذا نحن في حاجة إلى التخلص مما هو ملتصق بنا، ما هو عالق بجدران ذاكرتنا، من كل ما اعتلفناه من قراءات واطلاعات، وترسبات ثقافية، يجب أن نكحت وننحت ونشفى من كل ما هو متراكم علينا حتى نصل إلى عظمنا العاري، المكشوط من كل ما أثقله وأنهكه، وغيب صورته وشكله، وذاته الحقيقية، هيكلنا المجرد والمنفصل عن كل المسكونين به هو جوهر الشعر، وهو وجهه الحقيقي، ولبه الأصيل المتفرد والنادر.

شيء مما سبق ذكره ينطبق على القادم ذكره، في ديوان الشاعرة العمانية (بدرية الوهيبي) وهي من الأصوات الجميلة الآتية إلينا من بلاد الأصالة والفرادة والتميز «عُمان»، هذا المكان الذي بدأ يفرض حضوره في كتابات غير عادية، مثل نصوص بشرى خلفان وشعر بدرية الوهيبي وغيرهم.

ففي ديوان بدرية الوهيبي (سقوط مدو لريشة) نجد أن الديوان ينقسم إلى تجربتين، الأولى هي نظرة برعت الشاعرة في تصويرها، وفي تناسخ وتماهي مشاعرها الحقيقية فيها، وهذا هو الشيء الجيد المتمثل في تحميل الأسطورة لذلك الشيء الخاص فينا والذي لا يمكن البوح به بشكل مباشر. أما في ما يتعلق بالتجربة الخاصة بها، وهي التي أحببتها أكثر، كونها المجرد المشفّى من كل الزوائد، والواقف فقط على عظمه، هو الأكثر لمعانا والأكثر صدقا، لأنه يحمل أصالته وبراءة اختراعه ومختوم بجوهر الشاعر. وهذا بعض من شعر بدرية الوهيبي من ديوانها «سقوط مدو لريشة»:

* «كل شيء يتسخ في هذه المدينة/ حتى النور» .

* «ماذا تقول للصبح الذي تنفسك/ واختنق بك؟!

ماذا أقول لأوجاعك/ العالقة في المسام.../ كنت هواء فتبعثرت في عتمة صندوق».

* «نقف على شفرة السقوط/ والموسي تقرظ أطرافنا».

* «باب موصد في وجهي طويلا،/ هذا الحظ،/ وأنت العابر ممرات الذاكرة...

تترك حنجرتك زهرة بنفسج/ ورأسي... إناء فارغ».

* «الصمت مأتم... والنهار حكاية شمطاء / تقلب قائمة عشاقها المتحولين إلى غبار منسي.../ ونتف...»

* «لماذا.../ كلما مد الضوء يده/ نحو الغابة... قطعها الحطابون».

* تقف محنطا بغبطة فارغة/ فاغرة أشداقها للريح/ تتكسر فجأة على موجة أسئلة/ لفظتها القطيعة.../ سارجا ولع الروح في حضرة الموت/ لا شيء يجعلك كقطع الهباء... هكذا/ غير الأصدقاء».

* «غريبا على حافة الشوق تلهو عصافيره.../ قريبا من الريح حيث غنائي هباء...

وحيث المراجيح غيم يسوق النهار إلى غيره».

back to top