ما كان يجب أن يواجه استعداد الرئيس السوري بشار الأسد للانتقال بالمفاوضات مع إسرائيل من صيغة «غير المباشرة»، التي جرت بوساطة تركية ومن المحتمل استئنافها في وقت قريب إلى صيغة «المباشرة»، أي وجهاً لوجه، فسورية كانت قد أجرت مثل هذه المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين أكثر من مرة بعد مؤتمر مدريد وقبله، وفي سويسرا، والولايات المتحدة، وحكاية

Ad

«الممانعة»، التي أطلقها الإيرانيون لأسباب معروفة والتقطها خالد مشعل وحولها إلى شعار لحركة «حماس» إرضاءً لطهران، وتماشياً مع توجهاتها وحساباتها تجاه القضية الفلسطينية التي لم تعرفها دمشق إلا في وقت متأخر، وهي كانت قد خَطَتْ خطوتها الأولى العريضة تجاه الحلول السلمية للصراع مع إسرائيل، عندما كان أول ما قام به الرئيس الراحل حافظ الأسد بعد إطاحة نظام نور الدين الأتاسي- صلاح جديد في نوفمبر عام 1970 هو الاعتراف بالقرار رقم 242، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي بعد حرب يونيو عام 1967.

كان الرئيس الراحل قد أخذ على زملائه الذين شاركهم في الحكم منذ حركة الثالث والعشرين فبراير عام 1966، بل منذ انقلاب «ثورة» مارس عام 1963 أنهم متزمتون وحالمون أكثر من اللزوم وأنهم بمواقفهم المتشددة وغير الواقعية قد عزلوا سورية عن محيطها وحولوها إلى دولة مشاغبة تتحدث لغة غير مفهومة، لا من قبل العرب ولا من قبل العالم، ولذلك فإنه بمجرد أن وصل إلى قصر المهاجرين بعد مرحلة انتقالية شغل فيها موقع رئيس الدولة أحمد الخطيب، اعترف بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، ووضع أقدام بلده على بداية طريق الحلول السلمية التي أوصلتها إلى مؤتمر مدريد، وإلى كل اللقاءات المباشرة مع الإسرائيليين التي جرت في الولايات المتحدة، وقبل ذلك في سويسرا.

لم يكن حافظ الأسد لا رافضاً ولا «ممانعاً»، لقد كان يطرح هذا الطرح الذي تطرحه سورية الآن والذي كانت وديعة «رابين» الشهيرة والمعروفة إحدى محطاته الرئيسية، إذ أبدى رئيس الوزراء الإسرائيلي الذي دفع حياته ثمناً لمواقفه تجاه عملية السلام في الشرق الأوسط استعداداً موثقاً للانسحاب من الأراضي السورية المحتلة حتى حدود الرابع من يونيو 1965... وهذا بقي شرطاً سورياً لايزال يتمسك به نجله بشار، وهو سيبقى يتمسك به سواء بقيت المفاوضات مع الإسرائيليين غير مباشرة، أو جرى تطويرها وأصبحت مباشرة.

إن المشكلة ليست مشكلة ان يكون تفاوض سورية مع الإسرائيليين مباشراً ووجهاً لوجه وبرعاية أميركية قريبة ومثابرة ومتدخِّلة، كما جرت العادة قبل ان تتوقف المفاوضات عند النقطة التي توقفت عندها... إنها مشكلة حدود استعداد إسرائيل المسبق للانسحاب حتى حدود الرابع من يونيو عام 1967، إذ بعد ذلك سيتم الحديث في التفاصيل المتعلقة بالاعتراف، وفتح سفارة إسرائيلية في دمشق، وفي المياه، وفي الوضع العسكري والأمني في هضبة الجولان، وفي علاقات دمشق بإيران و«حزب الله» و«حماس»، وفصائل الرفض الفلسطيني الأخرى.

كانت سورية تقول إنها مستعدة لاستئناف المفاوضات، ولكن من النقطة التي توقفت عندها، وبالطبع فإن المقصود هو وديعة «رابين» الآنفة الذكر، والآن وبعد التخلي عن هذا الشرط فإن المشكلة ليست المفاوضات المباشرة، كمفاوضات مباشرة، فهذه مسألة حُسمت بعد مؤتمر مدريد وقبله، ان المشكلة هي مسألة مدى استعداد الإسرائيليين للالتزام المسبق بالانسحاب حتى حدود الرابع من يونيو عام 1967.

* كاتب وسياسي أردني