النائب والدواوين
أول العمود: بقي لنا من المؤسسات النظيفة اثنتان... ديوان المحاسبة ومؤسسة التأمينات الاجتماعية.***
حال عضو مجلس الأمة الكويتي يرثى لها، خصوصا مع تكبير «أو تعديل الدوائر»، فالدواوين التي ينبغي زيارتها تزايدت بشكل يشبه الفطر في تكاثره، لاسيما مع نظام الدوائر الخمس.ففي زمن الدوائر الـ25 كان العدد المطلوب زيارته معقولا، لكن اليوم الحال اختلفت تماما، فالدائرة الواحدة أصبحت تضم ربما أكثر من 500 ديوانية بين معروفة وأخرى من نوع «ديوانيات المصالح»! ويجبر النائب على تلبية ما تعينه صحته على زيارتها راغبا أو مرغما من أجل كسب ود المرشحين، هذا إضافة إلى عبء الناخبات، حيث يتسابق النواب في كسب تأييدهم بدعوتهم بين الحين والآخر إلى لقاءات ودية واجتماعية. وهذه إشكالية حقيقية ربما يشعر أحدنا فيها عندما يتحدث مع النواب بشأنها، فبعضهم يشعر بالغثيان كونه قد تحول إلى مراسل لتلبية طلبات بعض الناخبين التي لا تنتهي، والتي تقلل من الدور المنوط بالنائب كما هو مرسوم له في الدستور، فتجده من دون مقدمات يتوسط لمجرم في مخفر، أو يزور مسؤولا لترقية ناخب في منطقته، أو يتوسط لنقل طفل من روضة إلى أخرى، إلى آخر الطلبات التي لا تنتهي... فالناخبون لا يرحمون.وأمام هذه المشكلة الكبيرة التي أجبرت عددا من النواب على الاعتزال وترك العمل البرلماني بات النواب يصرفون جزءا يسيرا من وقتهم على وظيفتي الرقابة والتشريع بسبب استهلاك الناخبين لهم، وأصبح التفكير الجدي في تشريع قانون الأحزاب أكثر إلحاحا من ذي قبل. فالدوائر تضخمت من السكان ومشاكلهم الخاصة، وبالتالي فإن صيغة الأحزاب باتت الأنسب للتواصل مع الناخب من خلال المقار الحزبية الموزعة على الدوائر، بحيث تسد عن زيارة الدواوين وصرف الوقت على مجاملة أصحابها. والأهم من ذلك هو تبسيط الإجراءات في الوزارات الخدمية التي أصبحت تعرقل إنجاز المعاملات، وتجبر الناخب للتوسط لدى ممثل دائرته وإشغاله بتوافه الأمور، وهذه مهمة الحكومة بالدرجة الأولى. اطلعت على دليل صحيفة «القبس» الخاص بالديوانيات في الكويت، والذي أهدته لمشتركيها... فوجدت أن الأعداد مخيفة، ولا يمكن أن تستقيم حياة النائب ووظيفته مع هذا الجو المشحون بالبروتوكول والمجاملة، فأعداد الدواوين في كل منطقة كبيرة جدا، وتزايد أعدادها أصبح موضة على طريقة «لكل فريج ديوانية»، وهو وضع أدى ببعض النواب إلى التحايل على هذا الوضع بالسفر في مهمات برلمانية بشكل مستمر «لزوم النحشة من الناخبين».علاقة الناخب بالنائب مشوهة؛ فالأول يضغط ويطلب... ويجهل مهمة عضو المجلس، والثاني يجامل من أجل الأصوات، ولا حل لذلك إلا بالأحزاب وإصلاح الوزارات ومنع الواسطة.