في أوقات كهذه أتمنى لو كنت من المؤمنين بنظرية المؤامرة... أن أصدق أن هنالك خطة موسعة لها أغراض وأهداف واضحة، وحكمة ما تحرك الأمور، أن يكون هنالك سبب منطقي (وإن كان لا أخلاقيا) لخلق أبطال من لا شيء بتعسف غير مبرر في نفس الوقت الذي تسرح وتمرح به فوارس الفرعيات والتشاوريات القبلية والمذهبية على مسمع ومرأى الجميع، ولكن الواقع المرير أننا لا نملك حتى «المؤامرة» السياسية القذرة التي تدور في مخيلة البعض، فما يحدث هو فوضى غبية ناتجة عن خوف غير موجه، والنتيجة كما نرى المزيد من الخوف والفوضى.

Ad

إن كان هنالك شيء إيجابي فيما يحدث فهو تقريب أطراف الشعب من بعضها بعد أن أنهكت التعصبات والخلافات وحدتنا الوطنية، فها هم كل المثقفين والمتنورين يدافعون عمن دعا إلى انتخابات فرعية، ويقف المعارضون بصف من صفق طول عمره للحكومة، ويتنافس القانونيون للدفاع عمن دعا إلى انتهاك القانون، ويدافع الإعلام الجاد عن الإعلام الترفيهي، وعاد الحضر والبدو والمحافظون والليبراليون واليمين واليسار صفاً واحداً ضد الإجراءات الرسمية، واختلطت الأوراق على الحكومة «المتدودهه» أصلا!! كل ذلك دون تخطيط أو تحضير من أحد.

ما الذي يتطلبه الأمر ليتعلم الإنسان من تجاربه ولا يكرر أخطاءه؟ لنعرف الإجابة لا بد أن نفهم لماذا يكرر الإنسان أخطاءه؟ مثلا: لماذا يلمس أحدهم النار وتحرق يده ثم يعود بعد فترة ليجرب ماذا سيحدث لو وضع يده في النار مرة أخرى؟ أو لماذا يغضب أحدهم ويضرب زميله فيندم ويعاقب على ذلك، ولكنه يعود مرة أخرى لاستخدام العنف في حل مشاكله رغم عواقب محاولاته السابقة؟

الحالتان نتاج قلة ذكاء من نوع معين:

الأول (من يلعب بالنار) ينقصه الذكاء الذهني الذي يمكنه من الربط بين الأشياء ووضع علاقات سببية أو عكسية أو طرديه أو متعدية أو غيرها من العلاقات المنطقية التي يقوم بها ذهن الإنسان الذكي، ويصل إلى استنتاجات صحيحة دون الحاجة إلى أن يضع يده في النار لفهمها.

الثاني (من يلجأ إلى العنف) ينقصه الذكاء العاطفي أو الوجداني الذي يجعل عقله لا مشاعره هي التي تحدد تصرفاته. تشريحيا يشكل الجزء العاطفي والانعكاسي مركز المخ، أي الجزء البدائي من المخ الذي نشترك به حتى مع الزواحف، في حين أن المنطق يتركز في القشرة الخارجية من المخ وتميز هذه مخ الإنسان عن غيره من خلق الله بسماكة حجمها وتعقيد عملها، وردود الأفعال الانعكاسية والعاطفية هي نتاج سيطرة الجانب البدائي من المخ على تصرفاتنا، فنصرخ أو نضرب أو نهرب أو أحيانا نتجمد في مكاننا لأن هذا الجزء من المخ لا يملك حلولا أخرى، ونتصرف على يده تماما كما تتصرف النعجة إذا ظهر أمامها ذئب، أما الإنسان الذكي عاطفيا فلا يسمح لعاطفته أن تختطفه، بل يأخذ نفسا عميقا ويعطي مخه المنطقي فرصة لإعطائه حلا عمليا مبنيا على المنطق والتجارب السابقة، وبذلك نادرا ما يكرر الإنسان الفطن عاطفيا أخطاءه لأنه يعطي عقله فرصه ليتذكر ويحلل ويربط قبل أن يتصرف.

الإنسان الذكي ذهنيا وعاطفيا لا يتصرف قبل أن يقوم بعملية تحليل مكثفة مبنية على الحقائق والأرقام والنظريات والأهم ذكرياته والدروس التي اكتسبها من تجاربه السابقة حتى يضمن النجاح أو على الأقل ألا تأتي نتائج تصرفاته بعكس ما يقصد تماما!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء