هل هذا ممكن؟!
لأنه لا أمل في أي انفراج جديٍّ قريب بالنسبة للقضية الفلسطينية العالقة الآن في عنق الزجاجة، مادام ان هناك هذا الانقسام الفلسطيني المتكئ على حال الاستقطاب الإقليمية، والذي من المستبعد ان يكون هناك رأبٌ له على المدى القريب، فإنه لابد من التساؤل عما إذا كان إيهودا أولمرت، باتجاهه في هذا الوقت بالذات الى المسار السوري، يريد تذليل صعاب المسار الفلسطيني وحل عُقَدِهِ، أم أنه يريد ترك هذا المسار على ما هو عليه والانشغال بالمسار الأول ولو من قبيل وهم الحركة...؟! إن هناك طبخة يجري إعدادها على نارٍ هادئة، وذلك رغم كل هذا التسخين المتواصل على جبهة غزة وعلى كل الجبهات التي أغرقتها إيران بالتظاهرات التي عنوانها فتح معبر «رفح»، بينما هدفها الحقيقي الضغط على مصر، وهذا هو الذي دفع أولمرت إلى الاتجاه نحو دمشق بينما كل الأنظار مسلطة على الوضع الفلسطيني في ضوء قرار مجلس الأمن الدولي الأخير، الذي أكد ضرورة الحفاظ على قوة الدفع بالنسبة لمسار القضية الفلسطينية.
تتحدث المعلومات المتداولة عن ان الأميركيين تنفيذاً للوعد الذي كان باراك أوباما قد قطعه على نفسه خلال معركة الانتخابات الرئاسية، ينهمكون الآن في إعادة فتح الطرق مع إيران لاستئناف ما كان قائماً بين البلدين في عهد الإدارة الديمقراطية السابقة، وهذا يجب ان يأخذه العرب وأهل الخليج على وجه التحديد بمنتهى الجدية، فالصفقة التي يجري الإعداد لإبرامها ستكون على حسابهم، والإيرانيون الذين يشعرون أنهم ازدادوا قوة من غير المتوقع ان يقبلوا بما هو أقل من شرطي المنطقة والتسليم لهم بتطلعاتهم القيادية في هذا الإقليم، وبأن تصبح دولتهم نووية. لاشك في ان هناك ممانعة إسرائيلية، خصوصا بالنسبة لموضوع ان تصبح إيران دولة نووية، لذلك فإن الاعتقاد الذي يصل حدود الجزم هو ان التحرك الإسرائيلي المستجد في اتجاه سورية هدفه إبعاد السوريين عن الإيرانيين، لإضعاف الجبهة الإيرانية وتجريدها من أهم ورقة تمسك بها الآن وهي ورقة رؤوس الجسور التي أقامتها في غزة، مــن خلال دولة حركة «حماس»، وفي لبنان من خلال دولة حزب الله التي هي في حقيقة الأمر ورقة سورية. لا يمكن إنكار ان سورية تريد السلام مع إسرائيل بالفعل، وأنها سعت وهي لاتزال تسعى الى هذا، لكن ليس بأي ثمن وليس بالاستجابة لشروط الإسرائيليين التي أولها فك العلاقات الاستراتيجية، السياسية والأمنية والعسكرية، مع إيران وثانيها إنهاء «استضافة» الفصائل الفلسطينية «المُمانعة»!! خصوصا حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي، وثالثها وهذا في غاية الأهمية، وضع حدٍّ لدعم حزب الله وقطع كل طرق إمداداته وحرمانه من كل تسهيلات الوصول الى طهران التي تشكل قاعدته الرئيسية. فهل هذا ممكن...؟ إنه غير ممكن حتى إن تمكن رئيس الوزراء الإسرائيلي المقبل من تذليل عقبة المستوطنين والمستوطنات في الجولان، وعقبة القرار الذي كان اتخذه الكنيست بضم الهضبة السورية، فسورية في عهد الرئيس الراحل حافظ الأسد كانت لها حسابات تعتبرها أهم من كل هذه الحسابات الحالية، وهي لاتزال متمسكة بها، وأهمها الدور الإقليمي الذي ترى دمشق أنها تستحقه وأن التخلي عنه مهما كانت المغريات يعتبر تفريطاً بحق تاريخي لا يجوز التفريط به. * كاتب وسياسي أردني