عجيب وغريب أمر بعض نواب وكتاب التيار الديني، فهم لا يريدون أن يكون هناك رأي مسموع غير رأيهم، ولا توجه متبع غير توجههم، ولا رؤية تحترم غير رؤيتهم، فكل مخالف لمنهجهم في التفكير أو لطريقتهم في العمل، هو -بنظرهم- زنديق كافر فاجر، منافق ومحرّض على الفسق والفجور، أو جاهل في أفضل الأحوال!

Ad

لقد احتكر الاخوة «الأعزاء» الدين في غفلة من الزمن، ونصَّبوا أنفسهم وكلاء وحراس الفضيلة «المعتمدين» على الأرض، فهم وحدهم المؤمنون الصالحون الخيرون، أحباب الله، الذين حجزوا مكانهم في الفردوس الأعلى من الجنة مسبقاً، وهم وحدهم مَن سيقود الأمة نحو الصلاح والفلاح وسعادة الدنيا والآخرة، وكل المطلوب منا نحن «المؤمنون درجة ثانية»، ومن بقية خلق الله أن نوافقهم على طول الخط، ونتبع إرشاداتهم وننفذ تعليماتهم من دون أن ننطق بكلمة اعتراض واحدة، فدورنا ينحصر فقط في أن نوافقهم ونصفق لهم... «آسف التصفيق بدعة»... ونبدي إعجابنا بكل ما يقولون ويفعلون من دون أن نفكر لحظة في صوابه أو خطأه، وأن نضرب لهم تعظيم سلام «نعم... سيدي»، حتى وإن ساقونا الى الهلاك والدمار سوقاً!

لقد عارضنا بـ«حسن نية» وجود لجنة الظواهر السلبية الدخيلة، معارضة منهج عمل لا معارضة إيمان أو عقيدة، عارضنا الفكر التسلطي والأسلوب الجاسوسي، ولم نعارض نشر الأخلاق والفضيلة، تخوفنا من ضبابية الأهداف وغموض النوايا وحدود الصلاحيات، خشينا أن يتولى أمرها مَن لا يحسن الظن بالناس ويفسر الأشياء كما تشتهي نفسه المريضة.

وتفكرنا في حال من سبقنا بإنشاء مثل هذه النوعية من اللجان والهيئات، فوجدنا السلبيات قد طغت على الإيجابيات، وأن النوايا الطيبة لا تكفي دائماً، فأخطاء التطبيق العملي لا تعد ولا تحصى، وقد خرجت عن القصد الذي من أجله أنشأت، وأن أهل تلك البلاد (وهم اخواننا وأحباؤنا) الذين يعيشون في ظل وجود هيئة من هذا النوع منذ عشرات السنين، مازالوا بشراً خطائين مثلنا تماماً، ولم يتحول مجتمعهم إلى مجتمع ملائكي أو افلاطوني، رغم المحاولات الحثيثة كلها لحراسة الفضيلة ومنع الرذيلة، فمازالت الجرائم والموبقات تحدث عندهم -كما عند بقية خلق الله- وبأنواعها وأشكالها كافة، من خطف واغتصاب وقتل وسرقة ورشوة وشذوذ وتعاطي للمخدرات والخمور، ربما بمعدلات تفوق تلك التي لدينا!

إننا حين ننتقد إنشاء هذه اللجنة، ننتقد بدافع الخوف على المكتسبات الوطنية في مجال الحريات، تلك التي يبيحها القانون وتتفق مع أعراف وتقاليد المجتمع، ولا تخالف الآداب العامة، فأقرأوا معي ماذا كتب بعض كتابهم ونوابهم الذين يدعون الناس إلى الفضيلة وحسن الخلق، ودققوا في تصنيفاتهم وسوء ظنونهم، لتتخيلوا فقط، ماذا سيصنعون إن صار للجنتهم سلطة على الناس؟ وهو ما نخشى أن يحدث في قادم الأيام. فقد كتب الشيخ نبيل العوضي- هداه الله- يقول: «فريقان يتصارعان حول موضوع واحد... الفريق الأول يأمر الناس بـ«المعروف» ويحثهم عليه ويرغبهم فيه، وينهاهم عن «المنكر» ويحذرهم منه ويرهبهم من عاقبته، والفريق الثاني يأمر الناس بـ«المنكر» ويشجعهم عليه، وينهاهم عن «المعروف» ويخوفهم منه... المسألة باختصار شديد هي «إيمان» و«نفاق»! سبحان الله، أشققت يا شيخ عن قلوبنا فعرفت أننا منافقون، أم أن وحياً يتنزل عليك فيخبرك بما في قلوب الناس؟!

أما النائب وليد الطبطبائي فقال: «يبدو أن «أعداء الفضيلة» ساءهم دور اللجنة في حماية القيم والأخلاق، فبدأوا اليوم في محاربتها، ولكن هذه الحرب لن تثني النواب «الأفاضل» عن القيام بمسؤولياتهم، وسترتد هذه الحرب على أصحابها وسيخسرون المعركة لأن الحق أبلج و«أن جند الله هم الغالبون!» شكراً للنائب «الفاضل» الذي جعل من نفسه وزملائه «الأفاضل» جند الله الغالبين، واننا -المعارضين لوجود لجنته الموقرة «أعداء الفضيلة»- جند الشيطان المهزومون، منتهى الاحترام للرأي الآخر.

أما الأخ راجح سعد البوص فقد توجه «دايركت» نحو التكفير حين عنون مقالة بدأها بآية قرآنية كريمة هي «ودوا لو تكفرون كما كفروا»!... ولا تعليق!

وبالمناسبة فإن أكثر آية استشهد بها بعض القراء الغاضبين هي «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة، والله يعلم وأنتم لاتعلمون»! وأنا أرجوهم، بقلب صادق، أن يرشدوني، في أي جملة مما كتبت، وردت مطالبتي بأن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا، لعلي لم أنتبه الى وجودها؟! مشكلة الاخوة في التيار الديني أنهم لا يعرفون التعددية في الرأي، ولذلك حسبوا أن الأمر حرب بين دعاة الفضيلة ودعاة الرذيلة، لأنهم لا يعرفون في هذه الدنيا إلا اللونين الأبيض والأسود، فإن لم تكن أبيض فأنت أسود بلا أدنى شك، أو بمعنى آخر، إن لم تكن معنا «بارك الله فيك»... فأنت ضدنا «لعنة الله عليك»!

نحن حين نعارض لجنتهم، لا نعارضها حباً في انتشار الرذيلة كما يدّعون، ولكن لأن الله تعالى يقول في قرآنه «لست عليهم بمسيطر»... و«لا إكراه في الدين»... و«أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»... و«لكم دينكم ولي دين»... و«فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر». والرسول الكريم عليه الصلاة والسلام يقول «الدين النصيحة»... و«يسروا ولا تعسروا»... و«بشروا ولا تنفروا». ولجنتهم تعارض كلام الله ونبيه، فهل هم أحرص على الدين من الله ورسوله؟ وهل يقرأون القرآن والأحاديث النبوية بأفئدتهم وعقولهم أم أنها لا تجاوز ألسنتهم، حتى يكفِّروا وينفِّقوا ويفسِّقوا مَن يخالفهم الرأي في مسائل بعيدة عن العقيدة، ومحل خلاف بين المسلمين؟!