إخوان الأردن إلى أين؟!

نشر في 06-05-2008
آخر تحديث 06-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب أهم تطور سياسي في الأردن في الفترة الأخيرة هو هزيمة «حمائم» الإخوان المسلمين أمام صقورهم بعد معركة تنظيمية وسياسية، بقيت محتدمة منذ الانتخابات البرلمانية الأردنية التي جرت في «نوفمبر» الماضي، والتي جاءت نتائجها لتحجم الدور التاريخي لهذه «الجماعة»، حيث بقيت منذ انتخابات عام 1989 تحتفظ بنسبة في البرلمان الأردني جعلتها مؤثرة في سن القوانين وفي التوجه السياسي العام في هذا البلد، الذي وصل عدد الأحزاب فيه قبل إعادة تصويب أوضاعها إلى ستة وثلاثين حزباً معظمها هامشية.

كانت خسارة الإخوان المسلمين الفادحة في الانتخابات التشريعية والبلدية الأخيرة دليلاً على أن وضعهم التنظيمي لم يعد متماسكاً كما كان في السابق، ودليلاً على أن جرثومة التشظي والانقسام التي مزقت الأحزاب القومية واليسارية العربية كلها قد وصلت إليهم، ولذلك فإن هناك الآن جناحين متصارعين، كل واحد منهما يشكل حزباً مستقلاً سياسياً وتنظيمياً داخل الحزب الواحد.

حتى بدايات تسعينيات القرن الماضي بقي الإخوان المسلمون رديفاً تنظيمياً وسياسياً للنظام في الأردن، لكنهم بعد ذلك أخذوا يبتعدون رويداً رويداً، وأخذوا ينأون بأنفسهم شيئاً فشيئاً إلى أن انتقلوا إلى مواقع المعارضة السلبية التي تعارض كل شيء، والتي ترفض رؤية ولو إيجابية واحدة لهذا البلد الذي احتضنهم لأكثر من ستة عقود، وتعامل معهم على أساس أنهم الولد المدلل بينما كانت القوى والأحزاب السياسية الأخرى ملاحقة ومحاربة، وتعتبر حتى عام 1989 تنظيمات ليست قانونية ولا شرعية.

وبالطبع فإن هؤلاء أي «الإخوان المسلمين» يقولون إن سبب الفراق والافتراق بينهم وبين النظام الأردني بعد تحالفٍ لنحو أكثر من نصف قرن هو أن الأردن اختار السلام مع إسرائيل، وأنه وقع اتفاقية وادي عربة الشهيرة في عام 1994، والحقيقة أن هذا ليس صحيحاً وأنه مجرد مبرر للتوجهات الجديدة لهذه «الجماعة» التي حتى الآن وبعد كل هذا الذي حصل لاتزال تتمتع بامتيازات لا تتوافر للأحزاب والتنظيمات الأخرى، من بينها السماح لها بإنشاء حزب سياسي هو حزب جبهة العمل الإسلامي، وذلك مع أن القوانين النافذة تمنع أن يكون الأردني عضواً في حزبين في الوقت نفسه.

والحقيقة أن هذا التباعد بين هذه «الجماعة»، التي هي حزب سياسيٌ أنجب حزباً سياسياً آخر هو حزب جبهة العمل الإسلامي، يعود إلى سببين هما:

الأول، هو أن جيل الروَّاد الأوائل، الذين نأوا بالإخوان المسلمين منذ إنشاء تنظيمهم في الأردن في عام 1946 بعيداً عن كل نزعات التطرف التي تفشت في سنوات خمسينيات وستينيات وسبعينيات القرن الماضي، قد انتهى باعتزال المراقب العام السابق عبدالرحمن خليفة، وحل محله جيلٌ جديد على مستوى القاعدة والقيادة متأثر بالظاهرة الأفغانية وبالتطرف الذي غزا تنظيمات الإسلام السياسي في دول عربية وإسلامية كثيرة.

الثاني: تأثير حركة «حماس» التي أنشئت في عام 1987 كامتداد لـ«إخوان الأردن» والتي حاولت السيطرة على هؤلاء في الساحة الأردنية بعد أن سيطرت عليهم في الضفة الغربية وغزة، ولقد تجسد هذا التأثير في ظهور جيل تنظيمي جديد لا يقبل بقياداته التقليدية السابقة، ويرفض التحالف التاريخي بين هذه «الجماعة» والدولة الأردنية.

والآن وبعد أن حسم تيار الصقور المعركة الداخلية في الإخوان المسلمين لمصلحته باختيار الدكتور همام سعيد، الذي يعتبر أحد أكثر رموزه تشدداً وقرباً من حركة «حماس»، مراقباً عاماً لـ«الجماعة» فقد أصبح هناك خياران لا ثالث لهما هما:

أولاً، إما أن يستطيع هذا التيار جرَّ تنظيم الإخوان المسلمين كله بصقوره وحمائمه إلى مواجهة ساخنة مع الدولة الأردنية غير معروف كيف ستنتهي وأي معادلة سياسية جديدة ستترتب عليها.

ثانياً، وإما أن ينقسم هذا التنظيم على نفسه فيشكل المعتدلون حزبهم الخاص بهم ويتحول المتطرفون إلى جناحٍ تنظيمي لـ«حماس» في الأردن وعلى غرار ما حصل في غزة والضفة الغربية، وهذا ستترتب عليه أشياء كثيرة ليس في الساحة الأردنية فقط إنما أيضاً في بعض الساحات المجاورة.

* كاتب وسياسي أردني

back to top