ماذا سيفعلون في لبنان؟!

نشر في 15-05-2008
آخر تحديث 15-05-2008 | 00:00
 صالح القلاب

لا أحد يتوقع ألاَّ تدافع سورية عن «حزب الله»، سواء في الجامعة العربية أو عبر أجهزتها الإعلامية، أو من خلال أقلام أعوانها وألسنتهم في الصحف والفضائيات، فهو الصنيعة وهو الحليف وهو المستعد دائماً وأبداً للقيام بالمهمات الصعبة التي تقتضيها مصالح دمشق.

إذا كان صحيحاً أن ممثل سورية في اجتماع مجلس الجامعة العربية الأخير قد أسمع وزراء الخارجية العرب الذين شاركوا في هذا الاجتماع كلاماً قاسياً، وأنه هدد بأن طائرة الوفد العربي الذي جرى تشكيله لن تستطيع الهبوط في مطار العاصمة اللبنانية إن صدرت إدانة ولو غير مباشرة عن المجتمعين لـ«حزب الله» فإن هذا يعني أن هذا الوفد، الذي من المفترض أنه وصل أمس الأربعاء إلى بيروت، سيبقى يعود بـ«خفّي حنين» حتى لو تنقل بين القاهرة ولبنان ألف مرة، فالأمور واضحة وضوح الشمس، والذين يصرون على الاستفراد بهذا البلد سيحبطون كل المساعي الباحثة عن حلولٍ متوازنة وفقاً للقاعدة اللبنانية المعروفة «لا غالب ولا مغلوب».

ما كان يجب أن يُسمع المندوب السوري وزراء خارجية دول شقيقة، بعضها تربطه صلات عمومة وخؤولة مع حلف «فسطاط الممانعة» الذي تقوده إيران، الكلام القاسي الذي أسمعهم إياه، فالرئيس بشار الأسد، بموجب انعقاد القمة الأخيرة في دمشق، هو رئيس العمل العربي المشترك، وسورية من المفترض على هذا الأساس أن تكون الأكثر حرصاً على إبعاد اللقاءات والاجتماعات العربية، وعلى أي مستويات عُقدت عن التوتير والمناكفات و«الرَّدح» وتبادل الاتهامات والمفردات النابية.

لا أحد يتوقع ألاَّ تدافع سورية عن «حزب الله»، سواء في الجامعة العربية أو عبر أجهزتها الإعلامية، أو من خلال أقلام أعوانها وألسنتهم في الصحف والفضائيات، فهو الصنيعة وهو الحليف وهو المستعد دائماً وأبداً للقيام بالمهمات الصعبة التي تقتضيها مصالح دمشق... وهو أيضاً الذي قصده ذلك المسؤول السوري الذي قال إن حلفاء بلاده في لبنان أصبحوا أقوى مما كانوا عليه قبل انسحاب «الأمن المستعار» عن الأراضي اللبنانية في عام 2005 وفقاً للقرار الدولي رقم 1559 المعروف.

كان يجب ألا يذهب رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني بوفده إلى لبنان بعد أن سمع من الموفد السوري ما سمعه من تهديدات خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب، الذين يبدو أنهم أراحوا ضمائرهم بتشكيل هذا الوفد، قبل الحصول على ضمانات سورية بألاَّ يتعرض الوزراء العرب كلهم أو بعضهم إلى أي إشكالات أمنية، فالجيش اللبناني المكبل بتركيبته الطائفية والغارق في العصيان المدني الذي أعلنه حزب نصرالله لا يستطيع تأمين الحماية الكافية المطلوبة لهؤلاء، والحكومة اللبنانية المحاصرة بخيم المقاومين الذين تركوا الجنوب للقوات الدولية وبأسلحتهم الإيرانية، غير قادرة في ظل ما استجد على تأمين حماية حتى لوزرائها.

في كل الأحوال لقد حصل ما حصل، والمفترض أن الوفد العربي قد وصل بسلام وأمان أمس الأربعاء إلى بيروت، والمفترض أن طائرته حطت على أرض المطار المزنر بالخنادق والبنادق والذقون المذهبية من دون منغصات، والمفترض أيضاً أنه بدأ وساطته «الأخوية» العسيرة، وأن الشيخ حمد بن جاسم الذي كان قد مرَّ بتجربة كهذه التجربة عندما ذهب إلى غزة للتوسط بين «الإخوة الأعداء» قد ذهب بوفده إلى نبيه بري وميشيل عون... وإلى قادة الرابع عشر من آذار المدونة أسماء معظمهم على قائمة التصفية والاغتيالات.

عندما ذهب الشيخ حمد إلى غزة في تلك المهمة الصعبة، أعانه الله، وجد قلوباً مقفلة وبنادق يملأ بطونها الرصاص، ووجد انقلاباً كان الإعداد له قد أصبح في اللمسات الأخيرة، وهو عندما يذهب الآن إلى بيروت فإنه يجد انقلاباً دموياً قد سبقه إليها، ويجد بلداً قد بدأت تبتلعه الفتنة، ويجد أنه لم يعد ممكناً تسويق مبادرة إصلاح ذات البين العربية، فالمعادلة اختلفت، وقد أصبح هناك غالبٌ ومغلوب، فلبنان بانقلاب يوم الخميس الماضي دخل مرحلة وصفها السيد حسن نصرالله بأنها جديدة، أو المرحلة الجديدة التي يرى المنتصرون فيها أنها تقتضي مبادرة جديدة غير تلك المبادرة التي بقي عمرو موسى يتنقل بها بين العواصم من دون أي إنجازٍ ومن دون أي نتيجة.

إنه ما كان على الشيخ حمد بن جاسم، الذي فشلت وساطته بين «الإخوة الأعداء» في غزة، ولم يحالف النجاح وساطته بين حوثيي صعدة ونظام الرئيس علي عبدالله صالح، والذي لم يحالفه الحظ في وساطات كثيرة أخرى، من بينها تلك الوساطة التاريخية مع صدام حسين، أن ينتدب نفسه وبلده إلى هذه المهمة المحكوم عليها بالفشل الذريع سلفاً... اللهم إلا إذا كانت هناك معلومات بأن فؤاد السنيورة جاهز للخروج من سرايا الحكومة، وأن وليد جنبلاط على استعداد لإعطاء زعامته إلى «وئام وهاب» وأن سمير جعجع وأمين الجميل جاهزان لتسليم أمانة قيادة الموارنة إلى الجنرال المتضور جوعاً للرئاسة والسلطة ميشيل عون وإلى سليمان فرنجية (الحفيد) الذي يصفه حاسدوه ومناوئوه في منطقته بأنه الأكثر حظاً من بين الذين تنطبق عليهم صفة: «أطفال الأنابيب»!

* كاتب وسياسي أردني

back to top