دعونا نتساءل ماذا يضير الحكومة، إن كانت إجراءاتها سليمة دستوريا، في أن تقف أمام الرأي العام، في حالة تقديم الاستجواب، وتعلن بكل شفافية المراحل التي مر بها مشروع المصفاة الرابعة وتدافع عن قراراتها التي ترى أنها سليمة دستوريا؟
مجلس أمة لا يمارس صلاحياته الدستورية هو والعدم سواء. لا بل إن وجود مجلس أمة لا يمارس صلاحياته الدستورية في التشريع والرقابة أسوأ كثيرا جدا من عدم وجود مجلس أمة على الإطلاق. لماذا؟ وما هو الفرق، يا ترى، بين مجلس تشريعي منتخب وآخر استشاري معين؟الجواب بكل بساطة أن الأول يملك أدوات دستورية تؤهله للقيام بدوره الرقابي والتشريعي حيث يستطيع بهذه الأدوات الدستورية أن يعدل القوانين القائمة أو يشرع قوانين جديدة، كما أنه يستطيع أن يراقب أعمال السلطة التنفيذية ويحاسبها على سوء استخدام السلطة القانونية الممنوحة لها أو على الفساد الذى قد ينشأ أثناء قيامها بأداء أعمالها التنفيذية أو على انحرافها في ممارسة سلطاتها. أما الثاني، أي المجلس الاستشاري، فإنه دوره ينتهي بمجرد تقديم وجهة نظرة في القضايا التي تحال إليه من السلطة التنفيذية وبالتالي ليس له الحق في تشريع قوانين جديدة أو تعديل قوانين قائمة، وليس له الحق بتاتا في القيام بالرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.والآن دعونا نتساءل مرة أخرى ترى ما هو الدور الذي يريده بعضهم لمجلس الأمة في الكويت؟ هل يُراد له أن يكون برلمانا حقيقيا أم مجلسا استشاريا صوريا؟للأسف... الواقع يبرهن على أن هنالك من يريد أن يحوِّل مجلس الأمة إلى مجرد مجلس صوري أو ديكور يسمح فقط لمسؤولينا أن يصرحوا لوسائل الإعلام المحلية والعالمية بأننا بلد مؤسسات دستورية. أما إذا قامت هذه المؤسسات الدستورية بممارسة دورها الحقيقي في التشريع والرقابة الشعبية، فإن التهديد والوعيد والاتهام بالتأزيم وتعطيل التنمية تكون جاهزة للاستخدام في التو واللحظة.لذا فبمجرد أن يشير أحد أعضاء المجلس، مجرد إشارة، إلى أخطاء السلطة التنفيذية حتى يتهم بتأزيم العلاقة بين السلطتين. خذ مثلا مسألة مشروع المصفاة الرابعة المثارة بقوة حاليا، فإنه بدلا من دفاع الحكومة ومن يؤيدها عن سلامة وقانونية إجراءاتها وطمأنة الشعب الكويتي بعدم وجود عمليات تنفيع وفساد مالي وإدراي وسياسي في ترسية هذه الصفقة ذات المبالغ الفلكية، فإن أصوات بعضهم تتعالى باتهام من أبدى من الأعضاء تحفظه على عدم سلامة الإجراءات بتأزيم العلاقة بين السلطتين. فماذا يعني ذلك؟ يعني ببساطه رغبة بعضهم في أن يتحول مجلس الأمة إلى مجلس استشاري صوري لا يتمتع بأي سلطة رقابية ولا يمتلك أي أدوات دستورية تؤهله لممارسة هذه السلطة.دعونا نتساءل أيضا ماذا يضير الحكومة، إن كانت إجراءاتها سليمة دستوريا، في أن تقف أمام الرأي العام، في حالة تقديم الاستجواب، وتعلن بكل شفافية المراحل التي مر بها مشروع المصفاة الرابعة وتدافع عن قراراتها التي ترى أنها سليمة دستوريا؟ عندها لن يتمكن أي عضو من أعضاء المجلس، بما فيهم من يتهم أن له مصلحة شخصية مباشرة في عملية التأزيم، من أن يقنع الرأي العام أو حتى زملاءه الأعضاء بحججه وآرائه وستكون الحكومة هي الرابح برلمانيا وشعبيا. هذا هو المفروض أن يكون عليه موقف الحكومة من القضايا كافة التي يطرحها أعضاء مجلس الأمة ويرون أنها تستحق المساءلة السياسية بدلا من اتهام المجلس بالتأزيم عندما يقوم أعضاؤه باستخدام أدواتهم الدستورية. وهو بالمناسبة ما تقوم به حكومات الدول الديمقراطية كافة التي يقدم أعضاء برلماناتها أكثر من استجواب كل أسبوع ورغم ذلك لم نسمع أو نقرأ أن لديهم أعضاء «تأزيميين».هناك، بالطبع، ممارسات خاطئة ومصالح شخصية لبعض أعضاء مجلس الأمة، وهي بالمناسبة أيضا، موجودة في برلمانات العالم كافة، ولكن علاجها يكون من خلال تطوير النظام الديمقراطي الذي يتحقق عند الالتزام بالدستور وتطبيق مواده جميعها وإصلاح السلطتين التنفيذية والتشريعية.
مقالات
المصفاة الرابعة بين الرقابة الشعبية والتأزيم
06-10-2008