تبلورت فلسفة الأمن الإنساني في فترة ما بعد الحرب الباردة إثر التحولات النوعية التي شهدها العالم في ما يتعلق بمفهوم الأمن. إذ برز هذا المفهوم الشامل ليطور ويكمل المفهوم التقليدي لأمن الدولة، الذي أثبت عجزه عن حل قضايا الأمن غير العسكرية، إذ لم يعد التهديد الخارجي هو التهديد الوحيد لأمن الدولة، ولكن هناك مصادر تهديد حقيقية أخرى، مثل الإرهاب الفكري والمسلح، والجريمة المنظمة، والنزاعات المحلية، وانتهاكات حقوق الإنسان، والتعصب الطائفي، وانتشار الأمراض والأوبئة والفقر، والانفجار السكاني، والتلوث البيئي، وغيرها.

Ad

لذا جاء مفهوم الأمن الإنساني ليركز على الإنسان بدلا من الدولة، وعلى صون كرامته وحريته وتلبية احتياجاته المعنوية والمادية من خلال خطط التنمية المستدامة. فبينما يرتبط جهاز أمن الدولة بالقوة والردع، جاء مفهوم الأمن الإنساني ليؤكد أهمية «القوة اللينة» من تنمية بشرية وحكم رشيد وحكم للقانون وسياسة أمنية شاملة تهدف إلى تحقيق الرفاهية والرخاء والأمن للأفراد.

وتصف الباحثة خديجة عرفة في مقالها «تحولات مفهوم الأمن.. الإنسان أولاً» أن المسار الأمني لمفهوم الأمن التقليدي يكون من أعلى إلى أسفل بعكس مفهوم الأمن الإنساني الذي يكون من أسفل إلى أعلى، لأنه معني أولاً وآخراً بالإنسان الفرد، فأمن الفرد هو أساس أمن الدولة، وليس العكس. لذلك تعتمد فلسفة الأمن الإنساني على تمكين الإنسان من خلال تطوير التعليم وصون الحريات واحترام حقوق الإنسان وتعزيز المجتمع المدني.

واتساقا مع التغييرات التي تشهدها الساحة العالمية، ساهمت منظمة الأمم المتحدة في صياغة مفهوم الأمن الإنساني من خلال تقرير التنمية البشرية لعام 1994، الذي حدد محورين أساسين للأمن الإنساني، وهما: التحرر من الحاجة والتحرر من الخوف. ووضع مكونات أساسية لها، وهي أن محور الأمن الإنساني هو الإنسان الفرد، وأهمية تحقيق الحياة الكريمة له من خلال تكافؤ الفرص الاجتماعية والاقتصادية وحرية الاختيار. كما ركز على حقيقة أن الأمن الإنساني هو شأن عالمي مترابط، وبالتالي يحق للمؤسسات الدولية التدخل إذا تعرض الأمن الإنساني في أي دولة للتهديدات الأمنية الآنف ذكرها، وذلك لأنها تهدد الأمن الإنساني العالمي ككل.

وفي ضوء ما سبق، يلاحظ المراقب للمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الكويت، أن الدولة ومؤسساتها لم تستوعب بعد أهمية الأمن الإنساني لأمن الدولة، والدلائل على ذلك أكثر من أن تحصى، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر التعامل غير الإنساني مع العمالة الوافدة والإجراءات التعسفية التي اتخذتها الحكومة ضدها، وتساهلها في معاقبة المتاجرين بالبشر.

ويتجلى أيضا عدم فهم الدولة لمخاطر الأمن الإنساني في إهمالها لقضية البدون، وفشلها في وضع حد للمآسي الإنسانية والأحوال المعيشية المزرية التي يعانونها كل يوم. بالإضافة إلى ذلك، ما تقوم به تلك المؤسسات من قمع للحريات من خلال قانون المطبوعات والنشر وقانون الحسبة والعقوبات، المهينة لكرامة الإنسان، التي تجرِّم حقه في حرية التعبير. تلك الانتهاكات، والكثير غيرها، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك أننا لم نعِ بعد أن الوقاية المبكرة خير من الردع اللاحق؛ فمصادر تهديد الأمن الإنساني تلك هي قنابل موقوتة انفجر بعضها، والبقية ستنفجر لا محالة إن لم تعمل الدولة على تعزيز أمنها الإنساني وتقويته.

وإذا ما نظرنا إلى مخرجات التعليم المتدني، وانتهاكات الحريات الشخصية والمدنية وحقوق الإنسان وسلبية المجتمع المدني المهلهل، إذا ما نظرنا إلى ذلك كله نعرف لماذا يهاجر، أو يفكر كثير من الناس في الهجرة... وإذا عُرف السبب بطل العجب!