التصريحات المفاجئة، التي واصل إطلاقها إيهود أولمرت وآخرها قوله إنه في الإمكان حلّ مشكلة القدس العالقة بالاحتكام الى حدود عام 1967 قبل حرب يونيو، تدل على أن هذا المسؤول الإسرائيلي الذي كان حتى الأمس القريب أحد أشد رموز اليمين تطرفاً قد توصل الى ذات القناعة التي كان توصل إليها إسحق رابين، وهي ان الإسرائيليين قد ملّوا النـزاعات وأنهم باتوا بحاجة الى التقاط الأنفاس واستبدال ثقافة «القلعة والخنادق» بثقافة الحديقة والمروج المزدهرة المترامية الأطراف.
الآن هناك في إسرائيل عملية استقطاب شديدة، فهناك عتاة التطرف التوراتي والتلمودي الذين، رغم كل هذه التطورات التي طرأت على مدى الستين سنة الماضية، مازالوا يصرون على ان الله وعدهم بهذه الأرض، التي تتجاوز حدود فلسطين وتشمل ما بين النيل والفرات، وأنه من أجل بقائها فإنه لا يجوز إعطاء الفلسطينيين أكثر من حق الأقلية الغريبة فيها تمهيداً لطردهم لتصبح الوطن اليهودي التاريخي على الأرض الموعودة. وفي المقابل، فإن هناك الذين أدركوا ان هذا الصراع لا نهاية له، وأن الإسرائيليين بأغلبيتهم قد ملّوا هذا الوضع وأنهم باتوا يعترفون بأنهم يضطهدون شعباً آخر وأنهم يحتلون أرضاً ليست لهم، والمقصود هنا هو الأرض التي احتُلت في حرب يونيو عام 1967، وأنه من أجل إنهاء هذا النزاع فإنه لابد من الاعتراف للشعب الفلسطيني بحقه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة القابلة للحياة والاستمرار على هذه الأرض، أي الضفة الغربية وقطاع غزة، الى جانب دولة إسرائيل، وأن تكون العلاقة بين هاتين الدولتين اللتين لا تستطيع أيّ منهما إلغاء الأخرى علاقة تعاون وانفتاح وجوار حسن ومصالح مشتركة. إن كثيرين لا يدركون ولم يفهموا أبعاد مطالبة أحمد قريع (أبوعلاء ) بحل «الدولة الواحدة» الفلسطينية-الإسرائيلية، إذا كان حل الدولتين غير ممكن، فهذا المسؤول الفلسطيني الذي يعرف واقع الاستقطاب الشديد هذا الذي تعيشه إسرائيل معرفة أكيدة، أراد وضع الإسرائيليين والعالم أمام خيار صعب، فإما دولة واحدة على غرار ما حدث في إفريقيا الجنوبية بعد هزيمة نظام التمييز العنصري، أو لكل شعب دولته التي تعيش بأمن وسلام واستقرار الى جانب دولة شعب آخر. والواضح حسب ما يُكتب وما يُقال، ان العالم كله بات يرى ان هذا الصراع قد استطال أكثر من اللازم، وأن حل الدولتين بات خياراً لا خيار غيره واستحقاقاً قد حان وقته، وأنه قد حانت لحظة لابد من اغتنامها، وهذا يقتضي وضع حدّ لهذا الانقسام الفلسطيني المُزري الذي لا يستفيد منه إلّا الإسرائيليون الذين يحاولون التهرب من دفع هذا الاستحقاق، ويقتضي إيقاف «حماس» عند حدها، فالمطلوب من العرب ألا يواصلوا سياسة إضاعة الوقت والمطلوب من أمين جامعتهم عمرو موسى ان يتوقف عن سياسة الاختباء وراء الإصبع وإطلاق التصريحات المضلّلة البعيدة عن حقائق الأمور، والتي تشكل مبرراً لحركة المقاومة الإسلامية بالاستمرار في النهج التدميري الذي تنتهجه خدمة للمعادلات الإقليمية المعروفة التي لا علاقة لفلسطين بها ولا علاقة لها بفلسطين. * كاتب وسياسي أردني
أخر كلام
لحظة لابد من اغتنامها
17-11-2008