غالبا، إن لم يكن دائما، ما يكون كسر الاحتكار وفتح باب المنافسة التجارية مفيدا للمستهلك، لهذا فقد كان دخول شركة الاتصالات الجديدة «فيفا» إلى السوق بمنزلة عيد سعيد لمستخدمي الهواتف النقالة حيث بدأت بشائر تخفيض التكاليف تهل عليه من خلال خدمات متنوعة ابتدأتها «فيفا» ولحقت بها الشركتان السابقتان، «زين» و«الوطنية».
هذه المنافسة الجميلة المحمومة التي أشعلتها «فيفا»، صارت حديث الناس، وبالفعل بدأ الكثير منهم يفكرون، إن لم يكونوا قد باشروا فعلا، بالانتقال إلى «فيفا» للتمتع بخدماتها. فعل كثير منهم ذلك، أو أنهم ينوون فعله قريبا بعدما يخف الزحام على فروع «فيفا»، بالرغم من ثقتهم بأن لا خيار أمام «زين» و«الوطنية» سوى مجاراة تخفيض أسعار الخدمات الذي فتحت بابه «فيفا» على مصراعيه، وبالتالي فلا يوجد داع للانتقال للتمتع بهذه الخدمات لكونها قادمة إلى شبكاتهم قريبا لا محالة.السبب في ذلك أن هؤلاء يبررون انتقالهم أو رغبتهم بالانتقال بأنه يأتي ردا على شعورهم بالغبن لما كانوا يدفعونه طوال السنوات الماضية لقاء خدمات كان من المفترض أن يحصلوا عليها بالمجان! ذات الفكرة حدت بالنائب المحترم د. فيصل المسلم أن يطالب «زين» و«الوطنية» بتعويض المستهلك عن «ما مضى»، كما قرأت في إحدى الصحف بالأمس!بالطبع، فإن مطالبة النائب المسلم، الذي أحترمه وأقدره كثيرا، ليست سوى كلام إنشائي لن يقدم ولن يؤخر شيئا، لأنه لا وجه له على الصعيد القانوني.مشكلتنا في الكويت تتمثل في هزال، إن لم يكن انعدام، ثقافتنا الاستهلاكية. نحن شعب في غالبه وعندما يشعر بأن تاجرا ما يعامله بنوع من الاستغلال، فإن ردة فعله إزاء هذا لا تتجاوز التبرم و«التحلطم» في أحاديث الديوانيات والمنتديات، ولا تتجاوز ذلك مطلقا إلى أي حراك فعلي. كم من مرة سمعنا ضجة حول ارتفاع سعر سلعة ما بشكل مبالغ فيه، أو استغلال جهة خدمية ما للمستهلكين، وبعدها سرعان ما هدأ الضجيج وتلاشى كتلاشي الزوابع في الفناجين وابتلع الناس واقعهم وتعايشوا معه!قطعا لست في معرض الدفاع عن أحد، ولكن أين د. فيصل المسلم ومن يفكرون بطريقته نفسها من هذه الشركات التي كانت تتقاضى فيها هذه المبالغ لقاء خدمات يفترض أنها مجانية طوال السنوات الماضية؟! هل اكتشف الحقيقة اليوم فقط مع ظهور فيفا؟!هل يدرك د. المسلم أن هناك عشرات الجهات التجارية في قطاعات أخرى، مثل قطاع البنوك والاستثمار وقطاع خدمات الإنترنت وقطاع تجارة السيارات والأجهزة الكهربائية والإلكترونية وغيرها، لاتزال حتى الساعة تستغل المستهلك أبشع استغلال وتدوس على حقوقه الاستهلاكية؟ فهل ينتظر ظهور من يكشف له عن مواطن هذا الخلل ليطلق مطالبة شبيهة بمطالبته هذه لشركات الاتصالات بتعويض المستهلك عما مضى؟!يا سادتي... نحن اليوم بحاجة إلى جهة حية، حكومية أو شبه حكومية وقبل ذلك جهة أو حتى جهات شعبية فاعلة، تعنى بحقوق المستهلكين وتتابع تجاوزات المؤسسات التجارية والخدمية وترصدها في تقارير دورية وتتصدى لها بالطرق والوسائل الحضارية المختلفة، حتى لا يكون المستهلك عرضة للاستغلال وحتى لا يشعر بالغبن كشعوره اليوم مع ظهور «فيفا»!ختاما، كلي أمل ألا تختفي هذه الثورة التصحيحية اللذيذة التي جاءت بها «فيفا» قريبا، وألا نفاجأ بها وقد أصبحت ثالثة الأثافي!
مقالات
ألو فيفا... عفية!
07-12-2008