كنت متوجهاً إلى مملكة البحرين لحضور «المؤتمر القانوني لمكافحة العنف الأسري» الذي تنظمه جمعية «كرامة» تحت رعاية سمو الشيخة سبيكة بنت إبراهيم آل خليفة قرينة ملك البحرين، رئيسة المجلس الأعلى للأسرة، وجمعية «كرامة» جمعية للمحاميات المسلمات من أجل حقوق الإنسان، تسعى إلى دعم حقوق المرأة المسلمة في كل أرجاء العالم وتمكينها من تفعيل مساهماتها وتعزيز مشاركاتها من خلال التسلح بالمعرفة القانونية وتنمية المواهب القيادية، ولها موقع إلكتروني ومقرها أميركا وتديرها الدكتورة عزيزة الهبري أستاذة القانون بكلية تي-سي ويليامز للقانون في جامعة ريتشموند، وهي باحثة قانونية ومتخصصة في قضايا الإسلام والديمقراطية وحقوق المرأة المسلمة وحقوق الإنسان في الإسلام، وفي الطائرة اطلعت على بعض الصحف البحرينية الصادرة في صباح ذاك اليوم 1 ديسمبر، واستوقفني حدث سار وهو أن البحرين قد اختارت هذا اليوم، تاريخاً للاحتفال بيوم المرأة البحرينية، حيث يصادف يوم إقرار بدء التعليم النظامي الإلزامي للبنات في البحرين، وذلك في العام 1928 وتأسيس مدرسة خديجة الكبرى للبنات.

Ad

المرأة البحرينية، هي الأسبق خليجياً إلى ميدان التعليم، وهي الأسبق إلى ميدان العمل والخدمة المجتمعية، وتكريمها يعد تكريماً للمرأة الخليجية عامة وتكريماً للإنجازات والمكاسب المتحققة، كما يأتي تخصيص هذا اليوم التاريخي للمرأة البحرينية، تأكيداً وعرفاناً بدورها وإنجازاتها ووفاء لجهود الرعيل الأول من النساء الرائدات في حقلي التعليم والتمريض والإسهام المجتمعي، لقد خصصت الصحف البحرينية ملاحق وصفحات مطولة لاستعراض إنجازات المرأة البحرينية وجهودها في مختلف المجالات المجتمعية كما بادرت إلى إجراء مقابلات مع الرائدات الأوليات، انشغلت وأنا في الطائرة بقراءة حديث الذكريات وكفاح الجدة «عائشة الزياني»، وهي إحدى أول أربع خريجات في البحرين، تحدثت بكل تلقائية وبساطة عن دراستها بمدرسة «عائشة أم المؤمنين» أول مدرسة للبنات بالمنامة ولما تخرجت وبتشجيع من المستشار الإنكليزي «بلجريف» وبتصميم من والدتها القوية، سافرت وأكملت دراستها في العراق، حيث حصلت على شهادة في التمريض، وعادت واشتغلت في خدمة المجتمع البحريني، وقد ختمت حديثها وهي سعيدة بأنها أم كل أهل الحِد إذ قامت بتوليد أمهاتهم جميعاً، لقد تأثرت كثيراً بقصة كفاحها خصوصا أن الصحيفة أبرزت صورتها الزاهية وهي مبتسمة في ثوبها الأزرق الفيروزي البهيج.

وصلت إلى مطار البحرين حيث وجدت في الاستقبال من يرحب بي، ويقدم لي وردة احتفاءً بهذا اليوم، لقد كان احتفال البحرين بيوم المرأة البحرينية متميزاً، إذ تداعت كل الفعاليات والقطاعات المجتمعية والأجهزة والإدارات الحكومية، وكذلك وسائل الإعلام جميعها تكاتفت لإبراز جهود المرأة وتاريخ كفاحها وإنجازاتها، بحيث يشعر الزائر للبحرين والمواطن والمقيم أنهم جميعاً في يوم مميز، وقد كان لهذا الاحتفال أصداء خليجية واسعة.

لقد كنت محظوظاً أن أوجد في مثل هذا اليوم في البحرين، حيث تشرفت مع مجموعة من القيادات النسائية بمقابلة سمو الشيخة سبيكة حرم ملك البحرين التي أكدت دعمها وتكريمها لجهود المرأة.

كانت الأوراق المقدمة «للمؤتمر القانوني لمكافحة العنف الأسري»، بالغة التميز والجرأة، تناولت كل جوانب العنف الأسري بدءاً بتعريفه ومظاهره وأشكاله وأسبابه وعوامله والتشريعات المتعلقة به، وانتهاءً بالتوصيات المقدمة للحد منه ومكافحته وقائياً عبر برامج التأهيل والتدريب والتوعية للمقدمين على الزواج، وعلاجياً عبر التشريعات والإجراءات التي توفر سبل الحماية للمرأة والطفل، وقد أكدت الأوراق المقدمة تبرئة الدين الإسلامي والنصوص الدينية من العنف الممارس ضد المرأة، وأرجعته إلى تفسيرات خاطئة ومفاهيم مغلوطة لحق «القوامة» وحق «الطاعة» وحق «التأديب»، وقد بينت كل الأوراق المقدمة أن سلوكيات العنف مردها عادات وتقاليد وثقافة مجتمعية متحيزة، وكانت النقاشات والملاحظات غنية وثرية، وقد حرص منظمو المؤتمر على تقسيم المشاركين إلى مجموعات عمل تناقش وتختار أبرز القضايا المثارة، وانتهى المؤتمر إلى ضرورة إصدار قانون خاص ومتكامل بالعنف الأسري، وإلى أهمية تفعيل دور منظمات المجتمع المدني ووسائل الإعلام بتوعية المرأة بحقوقها القانونية والشرعية، وتصحيح المفاهيم الدينية المغلوطة في تفسير بعض النصوص الدينية المتعلقة بالولاية والقوامة والتأديب وغيرها.

لقد تمثلت مشاركتي في المؤتمر، في رئاسة إحدى الجلسات، ومداخلة قصيرة وضحت فيها بعداً جديداً للعنف الأسري، لم تتطرق إليه الأوراق المقدمة، وهذا البعد يتمثل في كون العنف الذي تتعرض له المرأة في النطاق الأسري الخاص لا يقتصر على الآثار النفسية والصحية والاقتصادية فحسب، بل إنه يتجاوز كل تلك الآثار السلبية مجتمعة إلا ما هو أخطر على المجتمع برمته، هذا البعد الخطير -في تصوري- هو أن «العنف الأسري» إنما يتجاوز الفضاء الخاص إلى الفضاء المجتمعي العام لينتج عنفاً عاماً يعانيه المجتمع مستقبلاً، فالأم المعنّفة لن تستطيع أن تحسن تربية أولادها على المحبة والتسامح والتعاطف والتعاون، بل ستغرس عنفاً في نفوس أبنائها ولو بطريقة لا شعورية، والأبناء الذين يشاهدون أمهم وهي تتعرض للعنف وتتألم صابرة، لن يستطيعوا التخلص من هذا المشهد القاسي بسهولة، يروى أنه- صلى الله عليه وسلم- كان يقبل ذات يوم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس جالساً، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحداً، فنظر له الرسول وقال: «من لا يَرحم لا يُرحم».

هلا تساءلنا: لماذا ابتليت مجتمعاتنا بظواهر التطرف والعنف؟! لماذا أصبح بعض شبابنا المتدين، أكثر قابلية وانجذاباً إلى الجماعات المتطرفة؟! لماذا هانت عليهم نفوسهم ونفوس الأبرياء من النساء والأطفال فأصبحوا قنابل بشرية متفجرة؟! كيف أباح هذا الشاب الملتزم دينياً لنفسه، أن يلبس حزاماً ناسفاً ويدخل مسجداً أو مستشفى أو مجلس عزاء أو مطعما شعبيا يغص بالبسطاء الكادحين ليفجر نفسه فيهم؟!

لقد تأملت في حياة هؤلاء الذين انجرفوا إلى تلك الأعمال العدوانية، فوجدت أن معظمهم ضحايا لبيوت مفككة بسبب العنف الأسري، فإذا أردنا معالجة ظواهر التطرف والعنف فلنبداً بحماية المرأة والطفل من التعرض للعنف، وإن من حق أولادنا علينا أن نوفر لهم «التربية الآمنة».

إن هؤلاء الأبناء الذين سرق مستقبلهم هم ضحايا تربية غير سوية، تربية غرست في نفوسهم خبرات قاسية مؤلمة منذ التنشئة المبكرة، وهؤلاء الشباب الذين تجاوزوا كل الثوابت واستباحوا كل المحرمات وخرجوا على مجتمعاتهم معتنقين مذهباً ضلالياً، إنما هم ضحايا أمهات تعرضن للعنف والمهانة.

هناك بعض الأزواج الذين يسيئون فهم «القوامة» إذ يفهمون منها التسلط والانفراد بالرأي، بل بحق ضرب الزوجة والأولاد توهماً بأن ذلك حق مشروع لهم، إنما يساهمون في إنتاج هذا العنف الذي ابتليت به مجتمعاتنا.

وختاماً أود أن أقترح ما يأتي:

1- تنقية التراث من الشوائب المتحيزة ضد المرأة.

2- تنقية الكتب الدراسية والمناهج من الصور النمطية للمرأة الخانعة التابعة.

3- تصحيح ثقافي واسع تشارك فيه جميع وسائل الإعلام لبيان وتوضيح المفاهيم الدينية الصحيحة للعلاقة الزوجية.

4- توعية المتزوجين بحقوقهم وواجباتهم الشرعية والقانونية وكيفية المطالبة بها.

5- تيسير الإجراءات القانونية لحماية المرأة والطفل من العنف.

6- وجود مراكز للتوعية الأسرية والإرشاد الأسري يسهل على المرأة المعرضة للعنف الاتصال بها.

7- تقوية الوازع الديني ونشر الثقافة الدينية الصحيحة.

8- تشديد العقوبة على جميع أشكال العنف.

9- إعادة النظر في التشريعات بما يكفل إزالة جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

* كاتب قطري