السيرة الذاتية لطائر الصحراء
بالأمس القريب وفي بداية هذا الشهر المبارك كنت في زيارة إلى الكويت للتحكيم في مسابقة شاعر العرب على جائزة الأمير المرحوم الشاعر محمد الأحمد السديري، فاحتجت الى دواء قيل لي إنه يوجد في بعض الصيدليات التي تقع في شارع فهد السالم، فاصطحبت سائق الفندق للبحث عنه وفجأة وجدتني أمام العمارة التي تصدر منها جريدة «الجريدة» الغراء، فطلبت من السائق التوقف أمامها وقلت له اغلق السيارة وانزل معي لأن الطقس رطوبة ولربما زيارتي تطول لهذه «الجريدة» اذا ما وجدت بها بعض الزملاء، وبالفعل تبعني السائق، وما ان وصلنا حتى لمحت الصديق القديم الحميم حسين العتيبي يخرج من باب مكتب رئيس التحرير الأستاذ خالد المطيري، وكان هو هو حسين الذي عرفته منذ أكثر من ثلاثة عقود باستثناء بعض الشيب الذي خط شاربه، فتعانقنا عناقا طويلا وأخذ كل منا يلوم الآخر على تلك القطيعة، وهو الأمر الذي حدا برئيس التحرير الاستاذ خالد المطيري لأن يخرج ليرى ما يحدث امام مكتبه، فعرّفه حسين بي ودعانا الى مكتبه ورحنا نتحدث في مواضيع شتى، بينما عقلي الباطن قد راح بعيدا في التاريخ أتأمل سلالة الرجل التاريخي العصامي الفذ هلال المطيري، أي الزميل خالد الذي يجلس أمامي والذي سار على خُطا ذلك الجد العظيم في تحقيق ذاته، والخوض في معترك العمل الصحافي في جريدة القبس، حتى أصبح في هذا المستوى الصحافي الرائع الذي يتسم بالوعي والوطنية والانفتاح، وحينما أعود الى صورة هلال بن فجحان المطيري، فإنني أعود الى الذاكرة (الجمعية) لكل سكان الجزيرة العربية الذين أحبوا هذا الرجل ومجدوا مآثره الرجولية والإنسانية الكثيرة، فهو بالاضافة الى دوره الاقتصادي الكبير في بناء الكويت، فقد كان ملجأ لرجال وشيوخ القبائل في الازمات، فهو الذي اعتق رقبة الفارس الشهير (لافي بن معلث) حينما كان مطلوبا لابن جلوي، وذلك حينما طلبه طلب الرجال للرجال من المؤسس العظيم عبدالعزيز بن عبدالرحمن أثناء إحدى زياراته للكويت وزيارة هلال في بيته، وهو الذي رشحه ديكسون لـ(يزبن عليه) أحد زعماء الاخوان المطلوبين للإنكليز وابن سعود في آن واحد الا وهو (فيصل الشبلان)، وذلك لما لهلال من احترام وتقدير لدى سائر حكام الخليج، وكان فوق ذلك يحسن إلى الفقراء ويدعم الضعفاء ويهب المحتاجين، حتى أصبح أسطورة نبيلة في الجزيرة العربية كلها، بل قيلت فيه الاشعار الكثيرة التي سارت بها (السفن والركبان) ووصل صيته الى بلاد الهند والسند ومصر والشام، وقيلت فيه الامثال كقولهم «اسخى من ابن فجحان»، و«أغنى من هلال»، أو «لو ماله مثل مال هلال»، أو «صيته مثل صيت هلال»، كما كان يتصف بالحكمة والرزانة وسعة الصدر ورجاحة الفكر والمواقف الوطنية وبذل المال في سبيل الكويت.
ولكن البوادي والحواضر في المملكة على وجه التحديد لربما تعرف عن ابي فجحان اكثر مما يعرفه بعض أهل الكويت، وذلك لكثر ما يحفظون ما قيل عنه من أشعار وما روي عنه من مواقف، كما ان سيرة حياته بالذات بحاجة الى اكثر من كتاب باعتباره رمزاً نادراً في ذلك الزمان، هذا إن لم نقل ان سيرته الذاتية بحاجة الى فيلم يجسد هذا النموذج النادر من الرجال.