* ذات جلسة في مسرح الخليج «بالقادسية» مطلع عقد السبعينيات، سألت الصديق الأديب «محفوظ عبدالرحمن»: لمَ لا تقتحم مجال ثقافة الطفل، فيدبج يراعك المدهش مسرحية أو مسلسلاً تلفزيونيا للأطفال؟ صمت قليلاً، وراح يفكر وهو يمج سيجارته بشدة، ثم قال: إن خوض هذه التجربة يرعبه كثيراً! وليست عنده الجرأة لخوضها، لأن المهمة ليست «سبهلاً» كما تبدو لأول وهلة لدى من يغامرون ويقامرون بالكتابة للطفل من باب استسهال المهمة، لأنها موجهة للأطفال! فإذا كان «أبو باسم» بجلالة قدره الإبداعي يتردد كثيراً لخوض هذه التجربة العصية، فإن أنصاف وأرباع المبدعين هم الذين يقتحمون هذا المجال بجرأة لا يغبطون عليها! لظنهم أن المسألة في مقدور أي «كويتب» كتابة نص «بأي كلام» يحشوه بالأغاني والأناشيد ومواعظ «اشرب الحليب يا عيون ماما» فضلا عن إقحام العرائس والدمى والمؤثرات الصوتية المثيرة، وغيرها من البهارات التي تفشل في تطييب الطبخة المسلوقة رغم الحركات المفتعلة المتوسلة دغدغة غدة الضحك وغريزة القهقهة!

Ad

* تداعت الخواطر السالفة إلى ذاكرتي «المخرومة» وأنا أقرأ قصة «هيلا حب» للأطفال التي أبدعها «مسبع الكارات» الشاعر القاص المخرج التلفزيوني «شوقي حجاب» أحد المبدعين القلائل لثقافة الطفل، وقصة «هيلا حب» منحوت اسمها من نداء «هيلا هب» الذي يلعلع به «الشغيلة» المصريون أثناء العمل، ولعله يشبه هتاف «هيلا لبنه... هيلا طاول» الذي يرجعه البناؤون «الكوايتة» حين كانوا لا يجدون غضاضة في ممارسة أي مهنة يدوية شاقة!

ما علينا. الشاهد أن «هيلا هب» دعوة للبناء وعمارة الأرض؛ وقصة «هيلاحب» بمنزلة نداء لإشاعة الحب وقبول الآخر فنجد الفار «فافا» والقط «مي مي» والكلب «ري ري» والنمر «دودو» يدفعهم الخوف الأزلي من بعضهم البعض إلى اللجوء إلى غار الفار «فافا» أضعفهم خلقة، ويكتشفون في ساعة تجلي أن العداوة التاريخية التي تسم علاقتهم ببعض يمكن تجاوزها برحابة صدر ديمقراطية سوية، لاسيما أنهم جميعا يرتبطون بحبل صرة متين قوامه الفن، وتحديداً فن الغناء والموسيقى، فبعد توجس وخشية من الآخر، «يتواجشون» بحبل الوداد المموسق، لكونهم ينعتون بأسماء تنطوي على نسب يتبدى في أنهم وبقية أصدقائهم المغرمين بهذا الفن، يشكلون أسماء السلم الموسيقي المعروفة، وهكذا يعرف القراء الأطفال الصغار والشياب مثل العبدلله، كيف تغلب الفأر «فافا» على خوفه من القطط؟ وكيف صار القط المثقف «مي مي» صديقاً للكلب «ري ري» عازف الجيتار؟ وهل يمكن للنمر «دودو» الانضمام إلى هذه الثلة «الصهبجية» دون خشية وتوجس؟ الحق لا شيء يعدل الفن قدرة على إشاعة الحب و«تجميع القلوب في تناغم جميل!» بحسب عبارة المؤلف.

إن قصة «هيلا هب» تجسّد السهل الممتنع في مجال ثقافة الطفل، لكن المؤسف أن الكتبة اختاروا السهل بمنأى عن الممتنع لسوء حظ الأطفال وثقافتهم!