لا أمل إطلاقاً في هذا الحوار الفلسطيني- الفلسطيني الذي من المفترض أن ينطلق في القاهرة اليوم بمشاركة ثلاثة عشر فصيلاً معظمها وهمي لا وجود له على أرض الواقع، والذي مهدت له الحركتان الرئيسيتان بمناوشات غير أخوية تدل على ان المواقف مازالت متباعدة وأن القلوب متورمة بالأحقاد وأن الخيوط التي تُشد من الخارج لم تنقطع، وأن الحديث عن «الأُخُوة» والمصير المشترك هو تكاذب في تكاذب ومن قبيل ذر الرماد في العيون.

Ad

كان هناك اتفاق، في إطار التهدئة وإظهار حسن النوايا وإضفاء أجواء بعيدة عن التوتر، على وقف الحملات الإعلامية لكن الذي جرى هو مزيد من الحرب الكلامية الشرسة وهو مزيد من الاتهامات والاتهامات المتبادلة، وهو العودة إلى ما كان عليه الوضع عندما بلغ اقتتال «الإخوة الاعداء» ذروته وسقط خلاله عشرات القتلى والجرحى من أبناء شعب مازال يرزح تحت الاحتلال.

لقد فاجأت حركة «حماس» الفلسطينيين والمصريين والعرب والعالم، بينما كانت الأنظار كلها متجهة نحو القاهرة انتظاراً للحوار الذي من المفترض ان ينطلق اليوم، بعرض شريط «فيديو» في مؤتمر صحافي عقدته وزارة داخلية حكومتها المقالة تضمَّن ما وُصف بأنه اعترافات لمجموعة من كوادر «فتح» ولضباط من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الوطنية بالتجسس لحساب إسرائيل، والعياذ بالله، وجمع معلومات عن كتائب القسام وعن «الأنفاق» التابعة لها، وعن مخازن الصواريخ وأماكن إطلاقها.

وكانت السلطة الوطنية قبل هذا المؤتمر الصحافي المفاجئ الذي جاء ليبدد الآمال في أي مصالحة فعلية قد وَزَّعت ملف وثائق من خمس وستين صفحة عنوانه: «حملة حركة حماس المميتة في ظل الحرب على غزة» تضمن وقائع عما قامت به أجهزة الحكومة «الحماسية» من إعدامات وملاحقات واعتقالات لكوادر حركة «فتح» ولعناصر الأجهزة الأمنية التابعة للرئيس محمود عباس والسلطة الفلسطينية.

إنه وضع لا يبشر بالخير، ولا يدل على ان هذه المفاوضات العرجاء ستنتهي باستعادة الوحدة الوطنية المفقودة، وبتشكيل حكومة وفاق وطني، والتخلص من هذا الانقسام المخزي، وتوحيد الصفوف والأهداف لمواجهة ما أسفرت عنه الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة من فوز لأحزاب اليمين الإسرائيلي ومن هيمنة هذه الأحزاب على مقاليد الأمور وتشكيل حكومة برئاسة بنيامين نتنياهو من المتوقع أن تكون حكومة القضاء على العملية السلمية.

لا يمكن على الإطلاق ان تكون هناك مصالحة فعلية في ظل هذه الأجواء التي يغلب عليها التوتر ويسودها الاحتقان الشديد، ولا يمكن ان تكون هناك وحدة وطنية وحكومة وفاق وطني ما لم يتم الاتفاق مسبقاً على البرنامج السياسي الذي يلتزم به الجميع، ولذلك فإنه ليس مجافاة للواقع وحقائق الأمور أن تُعتبر كل هذه اللقاءات «التكاذبية» مضيعة للوقت، وانها من قبيل التلاؤم مع رغبات بعض الدول العربية وليست ترجمة لتوجهات الشعب الفلسطيني الذي بات يفقد الثقة بكل هذه التنظيمات التي معظمها وهمي، وبعضها امتدادات استخبارية في الساحة الفلسطينية.