نحن نعيش كارثة تعليمية، فالعيب ليس في طلبتنا، بل هم ضحية للنظام التعليمي المتخلف والقائمين عليه، وما يرتكب في حق طلبتنا جريمة مكتملة الأركان، والشواهد كثيرة على أننا نعيش كارثة تعليمية، ومع ذلك تصر قيادات وزارة التربية على أن مستوى التعليم في مدارسنا بخير!

Ad

قبل أيام عدة ذهبت لإحضار ابنتي فاطمة من المدرسة بعد أن انتهت من اختبار مادة الاجتماعيات في الصف الخامس الابتدائي، ونحن في الطريق إلى البيت كانت ابنتي تتناقش مع ابنة عمها حول أسئلة الاختبار، وكنت أستمع إلى نقاشهما، ومن بين النقاش الدائر بينهما سؤال يتعلق بـ«العرفج»، فسؤال الاختبار يقول «العرفج نبات حولي، صح أم خطأ»، فكل واحدة منهما كانت تقول «أنا حطيت صح على السؤال». لفتت نظري كلمة «حوْلي»، وسألت نفسي هل الطفلتان تفهمان معنى كلمة «حوْلي»، فسألتهما عن معنى كلمة «حوْلي»، فبدت عليهما علامات الحيرة والاستغراب، بينما قالت ابنتي «يمكن معناها بالقرب منا، أي حولنا». كان واضحاً من إجابة الطفلتين أنهما لا تعرفان معنى السؤال، وأنهما تحفظان ما هو مكتوب في الكتاب مجرد «صم»، دون فهم معنى ما هو موجود فيه. مع علمي وإحباطي المسبق من طريقة التلقين المستخدمة في مناهج وزارة التربية إلا أنني شعرت بالإحباط والأسى لحال أطفالنا عندما يجبرون على حفظ آلاف المعلومات التي لا يعرفون معناها.

وفي مثال آخر عن «المصائب» الموجودة في مدارسنا، كنت قبل عدة أسابيع أقدم محاضرة عن التعليم الإلكتروني لمجموعة من معلمات مادة الحاسب الآلي في إحدى مدراس الابتدائي بنين، بحضور موجه المادة على مستوى المنطقة التعليمية. ابتدأت أنا المحاضرة بسؤال المعلمات عن هدف التعليم حسب وجهة نظرهن، فكان هناك إجماع من قبل المعلمات بأن هدف التعليم هو توصيل المعلومة للطالب.

هذا الجواب بحد ذاته كارثة، لأن هدف التعليم لا ينبغي أن يكون توصيل المعلومات للطلاب، بل يجب أن يكون هدف التعليم هو تنمية مهارات التفكير لدى الطالب، وإلا فإن أي شخص يستطيع الحصول على أي معلومة مهما كانت بكبسة زر من خلال محركات البحث على الإنترنت.

خلال التعقيب على المحاضرة قام موجه مادة الحاسوب وقال موجهاً كلامه للمعلمات «أبشركم بأن نظام التعليم الإلكتروني سوف يعمم على جميع المدارس خلال سنتين». استفزني كلام الموجه، فعقبت عليه قائلاً «وأنا أعزيكم على تعميم نظام التعليم الإلكتروني في المدارس، والسبب بسيط أن إدخال نظام التعليم الإلكتروني إلى المدارس سوف يتم دون وجود دراسة علمية ومن دون رؤية تربوية، ولذا سيتحول هذا النظام إلى مجرد عملية تكديس لأجهزة الكمبيوتر في مختبرات المدارس، وهذا بالتأكيد ليس تعليماً إلكترونياً»، وقد أيدتني مديرة المدرسة في ذلك بقولها «الكمبيوترات في مختبراتنا متروسة غبار لأن محد يستخدمها».

إذا كان معلمونا لا يعرفون ما ينبغي أن يكون هدفاً للتعليم، وإذا كان موجهو المواد على مستوى وزارة التربية لا يفهمون معنى التعليم الإلكتروني، فكيف لنا أن نتوقع أن يتطور مستوى التعليم لدينا؟!

بكل بوضوح نحن نعيش كارثة تعليمية، فالعيب ليس في طلبتنا، بل هم ضحية للنظام التعليمي المتخلف والقائمين عليه، وما يرتكب في حق طلبتنا جريمة مكتملة الأركان، والشواهد كثيرة على أننا نعيش كارثة تعليمية، ومع ذلك تصر قيادات وزارة التربية على أن مستوى التعليم في مدارسنا بخير!!