Ad

البيانات اللقيطة والإشاعات المغرضة، لم تكن يوماً مؤشراً لقلب الموازين الانتخابية، بقدر ما تكون المقارعة بالحجة والمواجهة والمكاشفة الموضوعية، وإن بلغت ذروة الصراحة والعلنية، وهذه الأساليب في استرخاص الدين والمقدسات تظل جرحاً محزناً وسُمّاً مريراً يؤلم أصحاب هذه الإشاعات والمنشورات أكثر من غيرهم.

من المنشورات التحريضية التي تم توزيعها قبيل الانتخابات الأخيرة بيان يحرّم التصويت لبعض مرشحي قائمة الائتلاف في الدائرة الأولى، وعلى الرغم من أن المنشور يتضمن اتهامات خطيرة جداً، بل تقشعر له الجلود، ويتوعد بأقسى درجات العذاب الإلهي لمن يصوّت لشخصيات مثل سيد عدنان عبدالصمد، والسيد جابر بهبهاني من القائمة، فإن نسبة التصويت لهما وللقائمة عموماً بلغت قرابة أحد عشر ألف صوتاً وهي من أعلى النسب في الدائرة على الإطلاق!

والسؤال المثير: هل هؤلاء الناخبون والناخبات ارتكبوا إثماً مقيتاً وأغضبوا رب العالمين بسبب إقدامهم على التعبير عن رأيهم وقناعاتهم، ومفاضلتهم بين أكثر من 60 مرشحاً ومرشحة في الدائرة الانتخابية الأولى؟! وهل سيكون جزاؤهم النار وبئس المصير لمثل هذا الموقف؟

لقد أقحم المنشور أيضاً جملة من أقدس المعتقدات الدينية وأسماء كبار المرجعيات الإسلامية العليا وبضعة رسول الله الطاهرة فاطمة الزهراء من باب الاستنصار لها، وتصنيف بعض المرشحين بأنهم أعداء لها، ولعل من أخطر العبارات التي نادى بها المنشور المذكور هذه الجملة النارية: «أيها المؤمنون، إذا أوصلتم هؤلاء إلى المجلس ونصرتموهم انتظروا غضب الله وسخطه عليكم وانظروا ما سيحل بكم، والفقر والشؤم الذي سينزل على بيوتكم وأولادكم»!!

لقد انتهت الانتخابات وفاز من فاز وأُعفي عن المسؤولية من أُعفي، وكل صاحب ضمير حي ووجدان مخلص يجب أن يترك تلك النتائج وراء ظهره، ويمد يد الألفة والتعاون لما فيه خير الوطن والمواطنين، وإن اختلفت الآراء وتباينت المواقف والاجتهادات، ولكن هذا الأسلوب الرخيص ومحاولة استغلال الدين لمكاسب سياسية وضرب تحت الحزام من المؤكد أنه لن يخدم أي مشروع للمصالحة والمصارحة.

ولعله من الواجب الشرعي والمسؤولية الأخلاقية الآن لمن نصّب نفسه قسيماً على الجنة والنار، واختط بمنشوره حدود الله وانتقامه، أن يعالج الأمر وينقذ الآلاف المؤلفة من المؤمنين الذين صوتوا بغير هواه من تلك الوعود المخيفة، ويزحزحهم عن أبواب النار التي وضعهم على شفا حفرة منها، وأن يكشف عن نفسه حتى يتسنى للتوابين الرجوع إليه وطلب المغفرة والهداية على يديه، إن كان صادقاً في نصحه وتحذيره.

صحيح أن الانتخابات في كل زمان ومكان لا تحلو إلا من خلال المنافسة القوية، بل لا تكون ذات قيمة سياسية من دون تباين الرؤى واختلاف المواقف لكي تخلق روح التعددية وندية الاختيار، وصحيح أن المعايير الشخصية للمرشحين من حيث الالتزام الأخلاقي والأمانة والاستقامة من الأمور المهمة التي قد ترجح كفة بعض المرشحين على غيرهم، ولكن التجريح والطعن والتخوين، خصوصاً بواسطة البيانات اللقيطة والإشاعات المغرضة، لم تكن يوماً مؤشراً لقلب الموازين الانتخابية، بقدر ما تكون المقارعة بالحجة والمواجهة والمكاشفة الموضوعية، وإن بلغت ذروة الصراحة والعلنية، وهذه الأساليب في استرخاص الدين والمقدسات رغم عدم جدواها في تغيير القناعات العامة فإنها تظل جرحاً محزناً وسُمّاً مريراً يؤلم أصحاب هذه الإشاعات والمنشورات أكثر من غيرهم.

والله نسأل التوفيق والثبات لنا وللجميع، وأن يسددنا في أن نتقي شرور الفتنة، وأن نحصن مجتمعنا وبلدنا من دسائس نفوسنا، ومصالحنا الخاصة، إنه سميع مجيب.