يبدو أن سمو رئيس مجلس الوزراء قد طبق قاعدة "استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان" في تشكيل الحكومة القادمة، وعلى الرغم من أن تشكيل الحكومات في العالم بأسره، خصوصاً في ظل الأنظمة الديمقراطية يعد ضمن أهم المعادلات السياسية ويفترض أن يأخذ بعين الاعتبار نتائج الانتخابات العامة والتحول الشعبي في إطار اتجاهات الرأي العام وما تقتضيه شروط المرحلة المستقبلية من رسم السياسات العامة وخطواتها التنفيذية، فإن السرية المحاطة في التشكيل الحكومي بحاجة إلى تفسير سياسي أكثر منه تكتيكياً أو فنياً.

Ad

ولعل التبرير الأقوى في الكتمان الشديد على طبيعة المشاورات، خصوصاً استبعاد جميع أعضاء البرلمان الجديد منها يعود إلى التحرر من الضغوط السياسية والدفع بأسماء مرشحين معينين لتولي الحقائب الوزارية، وبالتالي الوقوع في فخ المحاصصة الطائفية والقبلية والعائلية، وحتى من الناحية العملية، فإن الأعداد الكثيرة للمرشحين قد تضع صاحب القرار في حيرة من أمره عند إجراء المفاضلة والاختيار.

ولهذا، فإن أفضل النصائح التي لا يختلف عليها اثنان هي طرح معايير الكفاءة والقدرة والبصيرة لتكون الأصل والمرجعية في اختيار الفريق الوزاري، ولكن المشكلة في ذلك هي مَن يحدد معايير الكفاءة؟ ومَن يقرر مدى استيفاء كل وزير لهذه المعايير؟ وإذا أضفنا أن لسمو رئيس مجلس الوزراء مستشاريه والمقربين منه من أهل الثقة هم من يشرفون على هذه الطبخة السياسية فيبقى أن المشاورات قائمة لا محالة، وبالتالي فإن الجدل والاتهامات المعلَّبة والضغوط النفسية الخاصة بمراعاة نتائج الانتخابات وإرضاء التيارات السياسية والمكونات الطائفية والقبلية والعائلية ستكون قائمة لا محالة.

صحيح أن الجميع يأمل أن تكون تشكيلة الحكومة الجديدة واعدة ومطمئنة وتحمل دلالات النجاح الضمني وتعكس رغبة الشعب الكويتي في التغيير الجذري كما عكست صناديق الاقتراع، ولكن تبقى ثقة المجلس في الحكومة القادمة من الأهمية بمكان لترجمة مفاهيم التعاون الدستوري والانسجام في الرؤى المستقبلية وضمان الاستقرار السياسي بين السلطتين، ولعل هذا الاعتبار من أهم مفاتيح نجاح الاختيار الجديد لأعضاء الحكومة.

ويبقى ثمة أمر آخر يجب الالتفات إليه وهو أن سمو الرئيس لا ولن يستطيع أن يرضي كل الأذواق وكل أعضاء مجلس الأمة وامتداداتهم الشعبية، وإذا ما استمرت حالة السرية حتى اللحظة الأخيرة لإعلان مرسوم الوزارة فقد يكون ذلك بمنزلة مجازفة سياسية لدخول الوزراء إلى "قاعة عبدالله السالم" دون تقدير حجم التأييد النيابي لهم.

وفي هذه الحالة يبقى الرهان على قدرة الحكومة في تبني خطة عمل وسياسات واضحة وأهداف واقعية وبرنامج زمني محدد لترجمتها على أرض الواقع وأن تكسب هذه الحكومة ثقة ودعم الناس مباشرة، لكي يكون مثل هذا الدعم الشعبي هو الكفيل الشعبي لحشد القبول النيابي لها، ومن دون ذلك، فإن مصير الحكومة الجديدة قد لا يختلف عن سابقاتها فحسب، بل يمكن أن يعرِّضها أيضاً إلى استياء شعبي كبير... وهذا ما لا تتحمله الحالة السياسية المضطربة واليائسة في الكويت!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء