قضية، مع أنها حُسمت ووُضع حدٌّ لكل الأقاويل بشأنها، فإنه لابد من الحديث عنها، وهي قضية علاقات الأردن بحركة «حماس» في ضوء اللقاءات الأخيرة بين مدير المخابرات الأردنية الفريق محمد الذهبي وأحد قادة هذه الحركة.

Ad

فمعظم ما قيل في هذا الصدد كان قد قيل من طرف واحد، وكان من قبيل إسقاط الرغبات والأماني على واقع الحال الذي لم يطرأ عليه أي جديد لا قبل هذه اللقاءات ولا بعدها.

من حيث المبدأ، فإن الأردن لا يرى ضيراً في أن تكون له إطلالة أمنية على الفصائل الفلسطينية كلها، وحقيقة أن مثل هذه الإطلالة لم تتوقف في أي يوم من الأيام، لا مع «حماس» ولا مع حتى التنظيمات والفصائل التي تعتبر نفسها متشددة و«رافضة» التي ترفض عملية السلام وتعترض على المواقف السياسية الأردنية كلها.

ومع أن الاتصالات واللقاءات ذات الطابع الأمني لم تنقطع إطلاقاً على مدى الأعوام التسعة الماضية، فإنه لابد من إيضاح أن ما أدى إلى القطيعة بين الأردن و«حماس»، أن هذه الحركة استغلت احتضانها من قبل الدولة الأردنية وأخذت تتدخل في شؤون الأردنيين الداخلية والتدخل في الشؤون التنظيمية والسياسية لبعض الأحزاب والتنظيمات الأردنية، خصوصا حزب «الإخوان المسلمين» الذي أُخترق بالطول والعرض، خلافاً لكل القوانين السارية في البلاد، من قبل هذا التنظيم الذي من المفترض أنه تنظيم فلسطيني وغير جائز أن يتدخل في شأن أي دولة عربية.

وفوق ذلك فإن حركة «حماس» لم تحترم أصول الضيافة، ولم تتصرف على أساس مراعاة الأوضاع الأمنية لدولة شقيقة، وقامت خلافاً لهذا كله بالانحياز علناً الى التحالف الإقليمي المعروف الذي تقوده إيران بكل تدخلاتها وتطلعاتها نحو هذه المنطقة وأخذت تنشىء خلايا سرية في الأراضي الأردنية، كما لجأت إلى تهريب السلاح والذخائر والمتفجرات وتخزينها في مدن وقرى الأردن، وانخرطت في عمليات استهدفت أردنيين وأهدافاً أردنية ثبت أنها كانت لحساب هذا التحالف المُشار إليه آنفا.

لكن مع ذلك، فإن الأردن لم يتخذ موقف القطيعة النهائية، كما هو معروف، حتى مع منظمة التحرير وفصائلها المتعددة وعلى رأسها حركة «فتح»، رغم أن الصدام معها وصل في عام 1970 إلى حد المواجهة العسكرية المكشوفة، فكل شيء مالبث أن تغير وقد تحول الجفاء والتباعد إلى تقارب ومساندة أردنية لهذه المنظمة وسلطتها الوطنية، وهي لاتزال مستمرة وستستمر ولن تتأثر بأي تأثيرات جانبية إلى أن يقرر الشعب الفلسطيني مصيره بنفسه ويقيم دولته المستقلة المنشودة.

لقد تمت لقاءات فعلية في الآونة الأخيرة بين أحد قادة «حماس»، هو محمد نزال الذي بقي دائم التردد على عمّان رغم كل ما حصل بين هذه الحركة والحكومة الأردنية، وبين مدير المخابرات الفريق محمد الذهبي، لكن هذه اللقاءات انحصرت في الجوانب الأمنية وتركزت على تجاوزات هذا التنظيم الفلسطيني في الأردن وعلى ضرورة معالجتها قبل أي حديث عن تطوير العلاقة بين الطرفين والارتقاء بها من علاقة أمنية الى علاقة سياسية.

وهنا فإنه لابد من التأكيد على أن ما تم قد تم، في حين أن ثوابت الأردن لم تتغير ولم يطرأ عليها أي تعديل: فمنظمة التحرير هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني والدعم كل الدعم للرئيس محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية، والشعب الأردني بكل قواه سيبقى رديفاً للشعب الشقيق إلى أن ينتـزع حقوقه المشروعة ويقيم دولته المستقلة، كما أن التزام «حماس» بالمحور الإقليمي المرفوض من قبل معظم الدول العربية غير مقبول، وانقلابها الذي قامت به في غزة مدان وغير جائز أن يبقى هذا الانقسام بين غزة والضفة الغربية.

*كاتب وسياسي أردني