Ad

غيتس وبالرغم من كل ملياراته، ليس كبقية أثرياء العالم، فهو لا يسكن قصراً، ولا يمتلك طائرة خاصة، ولا يرتدي بدلات فاخرة، ولا يركب سيارات غالية، وإنما يعيش حياة بسيطة متواضعة، ولا تكاد تميزه لو رأيته بين الحشود من فرط بساطته، ولكنه مع ذلك رجل من أولئك الذين غيروا وجه التاريخ إلى الأبد!.

بيل غيتس، أشهر من علَم في رأسه نار. وليس غريباً لذلك أن يعرفه حتى باعة البقالات، وصغار الصبية، ورائدات جلسات شاي الضحى، فضلا طبعاً عن المثقفين والسياسيين والكتاب والنواب وبقية الأحباب، أليس هو الذي تربّع على عرش أغنى أغنياء العالم لعدة سنوات؟ إذن فلا عجب.

لكن هل غيتس مجرد ثري يمتلك مليارات الدولارات، حاله كحال مئات المليارديرات المنتشرين في مشارق الأرض ومغاربها؟! الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فهذا الرجل، الذي تقاعد منذ أيام وتفرغ لإدارة مؤسسته الخيرية، لم ينطلق يوم أسس شركة «مايكروسوفت» سعياً إلى تكوين ثروة، لأنه لو كان كذلك لما تبرع منذ سنوات بأغلب هذه الثروة لأعمال الخير والتنمية. هذا الرجل كان صانعاً لحضارة وبانياً لمجد يرتكز على رؤية واضحة لمآل المستقبل ومسيرة تكنولوجيا الكمبيوتر فيه. هذا الرجل كان يرى وبوضوح قبل أن تخطر حتى بوادر الفكرة في ذهن غيره بسنوات طويلة كيف أن الكمبيوتر الشخصي سيدخل كل بيت، وسيصبح جزءاً أساسياً من حياة البشر، وثروته المهولة لم تكن يوماً غاية لهذه المسيرة وإنما نتيجة حتمية لها.

في 1996 أصدر بيل غيتس كتابه الشهير «الطريق من أمامنا»، وظن كثير من الناس يومها، وأنا منهم، أنه سيحكي فيه كيف قام بتكوين ثروته، لكنه لم يتطرق لذلك بتاتاً، وإنما تطرق إلى تأثير ثورة التكنولوجيا وتأثيرها المتوقع في الحياة، من خلال فلسفته الشخصية.

ولد بيل غيتس في عام 1955 ابنا لمحامٍ بارز يعمل مشرعاً وعمدة، وحفيداً لنائب رئيس أحد البنوك، إلا أنه لم يرث من أهله درهماً أو ديناراً، أو لنقل سنتاً أو دولاراً، اللهم إلا الطموح غير المحدود والذكاء الوقّاد والروح التنافسية المشتعلة، والتي جعلت منه طالباً متفوقاً بالرياضيات والفيزياء ومولعاً بعالم الكمبيوتر، حتى التحق بجامعة هارفارد، الجامعة الأعرق والأقوى في العالم. ولكن الانطلاقة الحقيقية لبيل غيتس نحو المجد ابتدأت في أواخر 1974، وبشكل يكاد يكون خيالاً، إذ وجد زميله موضوعاً منشوراً في مجلة عن أول نموذج للكمبيوترات الصغيرة، وهرع إليه، لتشرق أمام الاثنين قناعة مفادها أن عصر الكمبيوتر الشخصي قد آذن بالانطلاق، وليعكفا على برمجة نظام تشغيل مبسط له، فيفوزا بعقد مع الشركة المنتجة لهذا النموذج، ويترك غيتس الدراسة في هارفارد على إثر ذلك ويؤسس وزميله شركة «مايكروسوفت»، لتصبح اليوم واحدة من الشركات الأغنى إن لم تكن الأغنى والأكثر تأثيراً في العالم كله!.

غيتس وبالرغم من كل ملياراته، ليس كبقية أثرياء العالم، فهو لا يسكن قصراً، ولا يمتلك طائرة خاصة، ولا يرتدي بدلات فاخرة، ولا يركب سيارات غالية، وإنما يعيش حياة بسيطة متواضعة، ولا تكاد تميزه لو رأيته بين الحشود من فرط بساطته، ولكنه مع ذلك رجل من أولئك الذين غيروا وجه التاريخ إلى الأبد!.

الآن وبعد هذه السطور لعلكم تتساءلون، ماذا أريد من ورائها؟ سأخبركم، ولكن قبلها سأعبر عن اطمئناني هذه المرة بأن أحداً من فريق الظرفاء المنشغلين، جزاهم الله على قدر نياتهم أقصى الجزاء، بمتابعة توجهاتي وتحليل مقالاتي والتقليب في أرشيف مقالاتي، لن يتفتق ذهنه هذه المرة عن تهمة جديدة لعلها تكون التزلف لبيل غيتس بحثاً عن وظيفة أو منصب، باعتبار استقالتي من «حزب الأمة»، ولن يتهمني بتحول فكري إلى الأميركيين أخيراً، بعد أن قلبوه على السلف فالشيعة ثم الإخوان وانتهاء بالليبراليين!.

ما أريد قوله وبكل بساطة هو أن سيرة حياة بيل غيتس، والتي تعد عند أغلب الناس مجرد سيرة حياة لرجل فاحش الثراء، هي أكثر وأعمق من ذلك بكثير، لأنها تحفل بالكثير مما يستحق النظر فيه ودراسته، كأهمية الطموح، ومعنى النجاح، والقيمة الحقيقية للثراء، وأهمية الشهادة الجامعية، وغيرها، وكل واحد منا سيستطيع حتما أن يجد فيها شيئاً يعكسه على نفسه وحياته بشكل من الأشكال، وأظن هذا كافٍ بحد ذاته!.