يعتبر الفنان القدير أحمد الزنجباري من أبرز الملحنين في الكويت، تميّز بأصالة أعماله الغنائية، قدم تسعة ألحان خلال مشواره الفني الطويل تعتبر بحق مدرسة موسيقية، ستظل تعبّر، على مر الأزمان، عن أصالة الأغنية الكويتية وتراثها الوطني.

Ad

عشق الزنجباري فن الصوت فجاء به من زنجبار إلى الكويت، التي أحب ترابها ومات على أرضها. يعدّه باحثون كثر رائد الأغنية الكويتية المتطوّرة. هو أستاذ الفن في الكويت بشهادة الجميع، ومعلم الملحنين الذين ظهروا في نهاية الخمسينات وبداية الستينات، وقد شكل هؤلاء حلقة ساعدت في تطوير الأغنية الكويتية والنهوض بها وإيصالها الى المستمع الكويتي والخليجي وكذلك العربي.

نحاول في هذه العجالة أن نقول شيئاً مما نعرفه عن حياة هذا المبدع وفنّه.

اسمه الكامل أحمد سالم سعيد الشعيبي، من مواليد زنجبار عام 1917، جاء الى الكويت عام 1933 مع النوخذة أحمد عبدالهادي، وثمة مصدر يقول إنه جاء مع بحارة المرحوم محمد بن شاهين الغانم من زنجبار. هو من أصل عربي، يرجح أن يكون والده من اليمن. ينتمي الى عائلة أصيلة ومتدينة، فوالده من أهل الدين والورع والتقوى وكان يشغل مركزًا دينيًّا مهمًّا في زنجبار.

لدى وصوله إلى الكويت سكن بيتاً في دروازة عبد الرزاق (منطقة الشرق) وكان جاره الفنان سعود الراشد، فتوطدت العلاقة بينهما، ثم تعرف بعد ذلك إلى المذيع مبارك الميال واستطاع الثلاثة تكوين ثلاثي فني من هواة الموسيقى والغناء، يقضون معظم أوقات فراغهم في السمر والندوات الفنية.

البحر جدّد ثقافته الفنيّة

بدأت حياته الفنية من خلال عمله بحارًا في سفن الغوص والسفر. كان من محاسن تلك السفن أن جددت لديه الثقافة الفنية وعمّقتها، فاستوعب مزيدًا من الألوان الغنائية.

اهتم في بداية مشواره الفني بالصوت الكويتي اهتماما كبيرا وأحب أعمال كبار الفنانين وعزفها على آلة العود من امثال محمد القصبجي ورياض السنباطي ومحمد عبدالوهاب.

بالإضافة إلى نشاطه كملحن وعازف متميز على آلتي العود والكمان، شارك الزنجباري في مسرحيتين: «المرأة المقنعة» (1943) كممثل، و«وفاء» (1945) من اخراج حمد الرجيب وعرضت على خشبة مسرح مدرسة المباركية، كملحن وعازف على آلة الكمان رافقه الفنان الموسيقار سعود الراشد على آلة العود وأحمد سيد عمر كمطرب.

حياته المهنيّة

أما حياة الزنجباري المهنية فبدأت في الخمسينات. عمل بدايةً منسّق حروف في مطبعة خاصة، من ثم في دائرة الأمن العام ضمن فرقتها الموسيقية (1951-1955). عندما انتقل للعمل في فرقة الإذاعة الموسيقية (1957) كان من العناصر الأساسية في تكوينها، عمل بعد ذلك في وزارة الاشغال، لكنه لم يترك الاذاعة الكويتية، كان يتردد عليها ويقدم لها الألحان. عندما تقاعد من وظيفته نهائيًّا في 31 أوكتوبر (تشرين الأول) 1973، طلب الفنان أحمد علي (شفاه الله) من المسؤولين في الإذاعة تعيينه في مكتبة الموسيقى والتراث، تم ذلك فعلا وبقي مسؤولا عنها حتى وفاته.

أعماله مدرسة موسيقيّة

يعتبر الزنجباري من الملحنين المتميزين الذين قدموا للمكتبة الموسيقية في الكويت مجموعة من الأغنيات التي تعتبر بحق من الكنوز الثمينة. يسجل له أنه أول من أدخل الهارموني «الكونترابنت»، و{البيانو» في الألحان الغنائية الكويتية المتطوّرة.

من أبرز أعماله أغنية «الا يا صبا نجد» التي غناها الفنان القدير عوض دوخي وهي من أشعار قيس بن الملوح، يقول في مطلعها:

الا يا صبا نجد متى هجت من نجد

لقد زادني مسراك وجدا على وجدي

سقا الله نجدا والمقيم بأرضها

سحابا طوال خاليات من الرعد

من الأغنيات المميزة «السحر في سود العيون» وهي من كلمات أحمد شوقي، غناها أبرز تلامذته، الفنان القدير سعود الراشد عام 1956 الذي أعجب بشعر أحمد شوقي وقصيدته، فعرضها على الزنجباري الذي رحّب بتلحينها، يقول في مطلعها:

السحر من سود العيون لقيته

والبابلي بلحظهن سقيته

الفاترات وما فترن رماية

بمسدد بين الضلوع مبيته

نهض الزنجباري بالأغنية والموسيقى الكويتية وطوّرها، يعتبر أول من استعمل آلات غريبة في الكثير من ألحانه العاطفية، استعان بالبيانو في «ليالي الوفا»، التي غناها المطرب غريد الشاطئ ويقول في بداياتها:

يا هلا باللي لفاني

مرحبا باللي لفاه

بعد ما صد وجفاني

عادني بعد الجفا

من ألحانه المتميزة قصيدة للشاعر أحمد العدواني بعنوان «سلو الكاعب الحسناء»، غنتها المدربة بديعة صادق زوجة الفنان الموسيقار القدير أحمد علي، وتعتبر تلك الأغنية من ألحانه الأولى، لكنها لم تُسجَّل إلا حديثا، وكان الزنجباري عرض اللحن على ثلاثة مطربين معروفين من رواد مركز الفنون الشعبية ولكنه لم يتفق مع أحد منهم، وزعه الفنان احمد علي، نفذه وسجله في الإذاعة، يقول في مطلعها:

سلو الكاعب الحسناء ماذا بدا لها

جفتنا ومازلنا على عهدنا لها

لعل وشاة حاسدين وشوا بنا

اليها فشدت عن هوانا رحالها

من المجالات الغنائية التي أبدع فيها تلحينه فن السامري، ومن أبرز الأغاني التي قدمها في هذا المجال «يا حزين القلب» غنتها مجموعة الإذاعة الكويتية و{ياللي غيابك طال» من كلمات الشاعر الغنائي القدير بدر الجاسر وغناء الفنان القدير عوض دوخي يقول فيها:

لا تشمت العزال بالله راسليني

البعد بكاني والسهر ضناني

واخاف تنساني يا اغلى خلاني

ولا خبر جاني منك يريحني

آخر لحن غنائي

آخر أغنية سجلها الزنجباري من تلحينه وغناء الفنان مصطفى أحمد بعنوان «عهدي الهوى»، اما آخر عمل غنائي لحنه فكان قصيدة من شعر البهاء الزهير بعنوان «يا لعين ارقت»، وكان ينوي المشاركة في تلحين النشيد الوطني لدولة الكويت. وخلال سنواته الأخيرة مرت عليه ظروف اجتماعية ونفسية قاسية أدخل على اثرها إلى المستشفى مرات، إلا انه كان دائم التردد على زملائه الفنانين وإسداء النصح إليهم وإبداء الرأي في أعمالهم الغنائية وكان صريحًا لا يحب المجاملة في الآراء الفنية التي يبديها.

شكلت وفاته فاجعة لكل فنان مخلص، ففي 12 يناير (كانون الثاني) 1977 انتقل الى رحمة الله استاذ الفن... ومعلم غالبية الملحنين... كان فنانا كبيرا وانسانا عاديا، يحترم عمله الفني ويخلص له ويحافظ على أصالة التراث.

قالوا فيه

الفنان سعود الراشد:

«في الماضي لم يكن هناك نادٍ أو جمعية للفنانين، كانت السمرات الخلوية هي منطلق الفن في الكويت قديماً، وكان أيامها الفنان الكبير أحمد الزنجباري يسكن في فندق يسمى «مسافر خانة»، فشكل هذا المكان محطة للفنانين. تعلمت على يديه العزف على العود، ويرجع إليه الفضل الكبير، حيث استفدت من روحه الفنية للوصول إلى ما أنا عليه الآن، وكانت لنا معه ذكريات جميلة وحلوة، أعتقد أن هذا الفنان سبق زمانه في الأعمال التي قدمها».

د. يوسف دوخي:

«قلة من الفنانين الذين عاصروا نهضة الفن الشعبي وانطلاقته، ولو ذكرنا على ذلك مثالاً سنجد الفنان الكبير أحمد الزنجباري أحدهم. كان يغني ويعزف على العود وينهم النهمة البحرية ولم يتجاوز الستة عشر عاماً».

غنام الديكان:

«ثمة مجموعة من الملحنين المعروفين الذي قدموا أعمالاً شعبية متطورة، وحافظوا على أصالتها في بعض من أعمالهم، لكن الفنان الكبير أحمد الزنجباري كان أصيلاً في جميع ألحانه، وكان بارعاً في تطويره للفنون الكويتية».