جائزة الشعر العربي تشعل حرباً ثقافيّة في مصر
أشعلت «جائزة الشعر العربي» التي حصل عليها الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي في «ملتقى الشعر الدولي» الذي أقيم أخيراً في القاهرة خلافات بين شعراء ونقاد مصريين، لم تخمد نيرانها على رغم مرور أسابيع عدة على انتهاء الملتقى.
خرج الشاعر محمد عفيفي مطر، والذي كان مرشحاً بقوة لجائزة الشعر العربي عن صمته، معلناً استقالته من لجنة الشعر التي يترأسها حجازي لـ{طغيان الشللية فيها وفوضى التنظيم وشخصنة المنصب وانعدام النزاهة». وأكد أنه لم يشعر بالمرارة لفوز حجازي، لأنه كما قال نال حقه، لكن من المؤسسة التي لا تعنيه.يشار إلى أن مطر تقدم باستقالته من الملتقى الأول سابقاً، والذي فاز بجائزته الشاعر الراحل محمود درويش، وكان مطر آنذاك مرشحاً بقوة وحصل على نصف عدد الأصوات، لكن وزير الثقافة فاروق حسني رجّح فوز درويش رداً على اتهامات البعض حول تقصير الدور المصري تجاه القضية الفلسطينية، فتراجع مطر عن استقالته احتراماً لقيمة درويش والقضية الفلسطينية.يصف مطر نفسه دائماً بالشاعر الفقير، الذي لا يضر ولا ينفع، و لا سلطة له: «لا أملك شيئاً غير أشعاري ويكفيني أنني موجود في أشعار الأجيال التالية لجيلي أكثر من أي شاعر آخر...». وهو لا يزال يحتفظ بعنفوانه الإبداعي، إذ ينتظر صدور ديوانه الجديد بعنوان «ملكوت عبد الله»، وعلى رغم أن الشعر الأبيض غزا رأسه إلا أنه لا يزال، كما وصفته زوجته، «حصان الحرية الجموح والدنيا أضيق من خطاه»، ويعتبره الجميع ظاهرة شعرية قائمة بذاتها في مسار الشعر العربي، بوصفه أحد أبرز الشعراء المجددين في العالم العربي.وفيما يشهد المجلس راهناً محاولات حثيثة لإثناء مطر عن استقالته مخافة حدوث خلل في لجنة الشعر وفقدان قيمة شعرية بمستوى مطر، توالت اتهامات المثقفين لجائزة حجازي ووصفوها بالجائزة «المجروحة» لأنها تركت لجنة الشعر تخضع لأهواء رئيسها نفسه واختياراته وإصراره على ما يريد، من دون النظر إلى ما يحدث في الثقافة المصرية من انشقاقات ضمن المؤسسة الرسمية. ووصل الأمر إلى أن بعض المثقفين طالب «المجلس الأعلى للثقافة» بإذاعة محاضر جلسات لجنة التحكيم لمعرفة ما حدث في اللجنة وعمليات التصويت، لكن المجلس ملتزم بسرية العمل.صرّح رئيس تحرير مجلة «الشعر} الشاعر فارس خضر بأن حجازي يستحق الجائزة منذ زمن بعيد، لكن {ليس بهذا بالشكل}، وقد كانت أمامه فرصة الاستقالة من لجنة الشعر والتنحي عن وضعه كمقرر للملتقى، طالما يريد الجائزة.بدوره أوضح الناقد الأدبي د. عبد المنعم تليمة أنه من المعتاد ألا يتقدم أو يترشح أي مسؤول بالوزارة لجائزة من جوائز الأخيرة، وهذا ما حال دون ترشيح د. سمير سرحان لجائزة الدولة لأنه رئيس «هيئة الكتاب»، ودون ترشيح د. جابر عصفور لجائزة الدولة لأنه أمين عام «المجلس الأعلى للثقافة»، وإذا رشحت أي جامعة أحد المسؤولين في وزارة الثقافة يتقدم المسؤول بخطاب اعتذار عن قبول الترشيح كما فعل كل من د. فوزي فهمي ود. أحمد نوار ود. سمير سرحان ود. جابر عصفور سابقاً.لفت الناقد الدكتور محمد أبو الفضل بدران الى أن حجازي بتعامله مع قصيدة النثر وشعرائها بهذه الطريقة، يكرر ما فعله عباس محمود العقاد مع صلاح عبد الصبور وحجازي نفسه في بداية تجربتهما، فقد كانا يكتبان قصيدة الشعر الحر، وكان العقاد مقرر لجنة الشعر في المجلس الأعلى المصري للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، واعتبر أن ما يكتبه صلاح وحجازي نثراً وليس شعراً.من جهتهم، أكد شعراء قصيدة النثر الذين عقدوا مؤتمرهم بالتوازي مع مؤتمر حجازي أن وجودهم حقيقي في الثقافة المصرية والعربية، وأنهم ليسوا جماعة ماسونية تعمل في الأقبية المظلمة، بل جزء من نسيج مجتمعي متكامل أتى بطروحات شعرية جديدة توازي التجديد في سينما الشباب والفن التشكيلي ومنظمات المجتمع الأهلي وصيغ الاتصال والتواصل الحديث. وأوضح الشعراء أنهم لم يعقدوا مؤتمرهم نكاية في شخص بعينه، بل لأنه بمثابة مسار طبيعي تتخذه الحركات الطليعية كافة، والتي يرفضها محافظون وكارهون للتغيير ومسيطرون بحكم التاريخ المتراكم على مقاليد الأمور في المؤسسات.أما عن رأي مطر ذاته في قصيدة النثر والذي أكده في أكثر من حوار، فهو: «النثر لدي أقل مكانة وإبداعاً من الشعر، إلا أذا سما إلى حدود النشوة الروحية والامتلاء بالحياة، فالإيقاعات الداخلية في النثر العظيم تنتمي إلى اللغة وحركة الأفكار، لكنها لا تنتمي إلى الموسيقى بمعناها الصارم، والخلط بين الإيقاع النثري في النماذج العظمى منه وبين الموسيقى يماثل المزج بين شاعرية العبارة وبين نسق القصيدة. باختصار، أفق النثر الشعري ممكن ومتحقق فعلاً لدى عدد من المبدعين الجادين».وبحسب مطر، يشهد العالم العربي الآن صراعاً يتجلى في كتابة القصيدة النثرية، وصراعاً ضد «التابو»، والخروج على ما هو متعارف عليه من أخلاق أو عقائد، وهذا يمثل ما يمور به قلب الأمة من حيرة وإحساس بالعجز والمهان. أشار مطر إلى أن الأمة العربية تمرّ راهناً بمرحلة عصيبة جديدة تشبه الحالة التي بدأ بها شعر التفعيلة، وهكذا انتهت الموجة المتصاعدة من الحلم والأمل والصراع، ووصلنا إلى القاع، وتقلّص إحساس الجيل الشاب بالعالم إلى حد الانحباس في مصيدة صغيرة من همومه الشخصية.