مشروع القانون الذي ستقدمه النيابة العامة إلى الحكومة لمناقشته، والمتعلق «بمكافحة جرائم شبكة الإنترنت وتقنية المعلومات»، من المفروض ألا يفرض قيودا على حرية التعبير وإبداء الرأي التي كفلها الدستور في المادة (36)، والتي تقول: «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو بالكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبيّنها القانون»، حيث إن الأصل هنا هو حرية التعبير عن الرأي التي يأتي القانون لتنظيمها فقط وليس لفرض قيود عليها، كما هو واضح من مشروع القانون الذي سيُقدم للحكومة.

Ad

وهنا نتساءل: ما الهدف من تقييد حرية التعبير التي كفلها الدستور؟ وهل هذا الأمر ممكن في ظل الثورة التكنولوجية والمعلوماتية الحالية؟

من المعروف أن الحكومات التي تخشى تداول المعلومات وحرية إبداء الآراء، هي الحكومات الديكتاتورية غير الواثقة من أن قراراتها ستحظى بتأييد الرأي العام، بل ستغضبه. علاوة على أن حرية تداول المعلومات ستفضح تصرفاتها غير القانونية. وقد اتسعت في السنوات الأخيرة في الدول الديمقراطية الدعوة إلى زيادة شفافية أعمال الحكومة وتعزيز حق الناس في الوصول إلى والاطلاع على المعلومات التي تخصهم وإبداء آرائهم بها بكل حرية، كما أن الحكومات الديمقراطية تشجع الناس على إبداء آرائهم علناً وبكل الوسائل، حيث تعتبر هذه الآراء بمنزلة استفتاء غير رسمي، أو «تغذية عكسية»، على أداء الحكومة.

ومع انتشار استخدامات الإنترنت، أصبح بوسع كل الفئات الاجتماعية تقريبا إبداء آرائها بكل حرية وشفافية، ولكل شخص حق الاختيار بين الاقتناع بهذه الآراء أو معارضتها، كما أن التكنولوجيا الحديثة وسّعت حق الأفراد في الاختيار بين الاستماع إلى آراء معينة أو تجنّبها، حيث في استطاعة أي إنسان ألا يفتح موقعا إلكترونيا معينا، أو أن يغير «بالريموت كونترول» القناة الفضائية التي لا تعجبه.

أما فيما يتعلق بإمكان حجب مواقع الإنترنت، لاسيما التي تحمل أراءً معارضة من الوصول إلى الناس، فإن هذا يعتبر من المستحيلات، خصوصاً مع تنوع وتعدد وسائل الاتصالات الحديثة وعدم خضوع «الإنترنت» لسلطات دول معينة، علاوة على وجود القنوات الفضائية التجارية، وهذا، على ما يبدو، ما أدركه دعاة تقييد حرية الرأي وأصحاب الفكر الواحد، لذلك فمن غير المستغرب أن تتزامن الدعوة إلى تقييد حرية التعبير عن الرأي الذي توفره المنتديات والمواقع الإلكترونية، مع الدعوة إلى إلغاء مادة الفلسفة من المناهج التعليمية، لأنهما وجهان لعملة واحدة، هي فرض هيمنة الفكر والرأي الواحد.

فالفلسفة هي العلم الذي يوفر للعقل البشري الأدوات النقدية التي تؤهله لفحص وتمحيص وتدقيق الأفكار والآراء التي يسمعها أو يقرؤها، ويبحث، من ثم، عن أسباب نشوئها وقوانينها والنتائج المترتبة عليها، ولا خوف، بالتالي، على مَن يتسلّح بالعلم والمعرفة اللذين توفر أسسهما علوم الفلسفة، حتى لو فُتحت أمامه القنوات الفضائية «المبتذلة» جميعها، وكل مواقع الإنترنت «الخربة»، لأنه سيستطيع أن يميز ما بين الغث والسمين، بعكس الشخص الجاهل الذي يسهل التحكم في سلوكه وتوجيهه.