لا أحب التكرار في الكتابة عندما لا تتوافر فكرة جديدة، واليوم استعصت الأفكار ونحن نعيش الأجواء السياسية الغائمة المتجهة باتجاه الانقلاب على نظام الحكم الدستوري للمرة الثالثة، فالقصة هي نفسها في كل مرة، تتكرر فيها الظروف والأجواء والأشخاص والخطوات والإجراءات والتبريرات وردود الأفعال. قصة مملة ولا مجال للإبداع في الكتابة عنها إلا من باب السرد والتذكير.

Ad

الأجواء حتى ساعة كتابة المقال تشير إلى أن اليوم قد يكون الخميس الأسود الثالث، بعد خميس 3 يوليو 1986 عندما تم تعليق الدستور وفرض الرقابة المسبقة على الصحف وقمع تجمعات الناس بالعجرات والقنابل المسيلة للدموع والاعتقالات، وخميس الغزو العراقي للكويت واحتلالها في 2 أغسطس 1990. وربما يتراءى للسلطة أن المزاج الشعبي العام موات أكثر هذه المرة لخطوة الانقلاب على نظام الحكم الدستوري، فيخيل لها قدرتها على رشوة الناس لإسكاتهم، ويخيل لها قدرتها على الإدارة منفردة، ولكن التاريخ يبين أن انفراد السلطة بالقرار قادنا إلى أكبر كارثتين وجريمة في تاريخ الكويت، فانقلاب 1976 انتهى بأزمة المناخ وانهيار الاقتصاد، وانقلاب 1986 قادنا إلى تغييب الدور الشعبي المساند للسلطة ضد تهديدات صدام حسين، ما خيل له أن الشعب الكويتي منقسم، وقد اكتشف عكس ذلك بتكاتف الكويتيين ومقاومتهم له، ولكن ما الفائدة بعد قتل وأسر العديد من أبناء الكويت ونهب ممتلكاتها؟ أما الجريمة التي صاحبت الغزو فهي سرقة ناقلات النفط والاستثمارات من قبل مَن أؤتمنوا عليها أثناء الاحتلال، وهي جريمة لها آثارها في هز ثقة الناس بحاملي الأمانة وكفاءة النظام القضائي. وقد يخيل للناس أن البلد سيعمه الانفراج ومشاريع التنمية ستدور عجلتها بإدارة الحكومة، والحكومة هنا تكرر كذبة أن مجلس الأمة يعطل التنمية حتى صدقتها. بذمتكم، من يثق بقدرة الحكومة على الإدارة؟ من يثق بحكومة عاجزة عن توفير سكن لأسر تعيش على أرض 92 في المئة منها صحراء؟ ومن يثق بحكومة عاجزة عن توفير الكهرباء بانتظام في الصيف وصرف مياه الأمطار؟ ومن يثق بحكومة منحت الجنسية لأفراد ثم سحبتها منهم لأن عليهم قيوداً أمنية؟ ومن يثق بحكومة عاجزة عن بناء مستشفى منذ 28 سنة؟ إن جميع ما سبق يقع ضمن اختصاصات الحكومة ولا دخل لمجلس الأمة في تعطيله.

في مطلع المقال قلت إن القصة مكررة بكل جوانبها، والمثل يقول «من الجنون أن تكرر نفس الفعل، وتتوقع نتائج مختلفة في كل مرة،» فتكرار الفعل يؤدي إلى تكرار النتائج، وبالنسبة للسلطة فقد كانت النتائج دائماً عكس مرادها، انتصار الدستور وعودة الحياة النيابية ولن يختلف الحال هذه المرة مهما طال الزمن. أما بالنسبة لنا كمواطنين، فمن الجنون أن نتوقع نتائج مختلفة عما سبق، وما سبق كان كارثتي مناخ وغزو وسرقة دولة وسوء إدارة.

Dessert

مصروفات ديوان رئيس الوزراء بالملايين على العود والبخور والساعات والأقلام حدثت بوجود رقابة مجلس الأمة وديوان المحاسبة، فماذا سيحدث في غيابهما؟