«الإعلام مهنة من لا مهنة له»... مقولة شاع استخدامها أخيراً وعلى نحو مكثف، تبدو تفتقر تماماً لكل ما هو دقيق وصحيح في معنى ومغزى ومفهوم الإعلام كعلم وممارسة حقة، غير أنها تحمل قدراً من الصحة حال نظرنا إلى ممارسات بعض الوسائط الإعلامية في كويتنا العزيزة.

Ad

فمن الناحية الاحترافية والعلمية نرى المقولة عارية تماماً عن الصحة، فالإعلام كان ومازال، علماً قائماً بذاته يسهم في بناء الدول ونهوض المجتمعات ثقافياً وأدبياً، فهو يشكل أحد عناصر القوة التي لايستهان بها، فهي تشكل عصباً لما بات يعرف بـ«القوة الناعمة» التي تسهم بلا شك في زيادة نفوذ وتأثير الدول في محيطيها المحلي والإقليمي. وتتسابق الدول عبر وسائلها الإعلامية المرئية والمسموعة والمقروءة في استعراض ما في جعبتها من علوم وآداب وثقافة وسياسات وقدرة على التأثير والتعبير عن طموحاتها ودروها في عالم متعولم يعج بالتيارات والثقافات المتناثرة.

لكن المقولة الشائعة نفسها بشأن الإعلام سنكتشف مدى مصداقيتها وصداها الواسع إذا ألقينا نظرة سريعة إلى أغلب وسائل الإعلام العربية، ولا نستثني منها عدداً ليس بالقليل من الوسائل الإعلامية الكويتية، الذي وصلته عدوى التفاهة، فبات مرتعاً لأدعياء المهنة ممن دخلوا المعترك الإعلامي مصادفة، ومن دون الإلمام بمفاهيم ومعايير العمل الإعلامي، وتزامن ذلك مع فتح الباب واسعاً أمام إنشاء كيانات إعلامية هي أبعد ما تكون عن إدراك مفهوم العمل الإعلامي بشقيه المهني والاقتصادي.

فلم يعد مستغرباً أن نرى لدينا محطات فضائية وإذاعات وصحفاً يكرس كل العاملين فيها همه في المتاجرة بسلبيات المجتمع من خلال إبراز الظواهر الغريبة في المجتمع سواء بصورة مباشرة أم غير مباشرة، متناسين بذلك أن العديد من الجوانب منها؛ أن المجتمعات جميعها لا تخلو من مثل تلك الظواهر، وتعمّد التركيز على مثل تلك السلبيات، رغم ضآلتها كنسبة من المجتمع، توحي للجميع بأنها ظواهر تتفشى في المجتمع بأسره، وهو ما يحمل رسالة مغايرة لواقع الحياة في الكويت.

كما أن الرسالة الإعلامية الاحترافية يتعين عليها التصدي للواقع المجتمعي والقضايا بسلبياته وإيجابياته، من منظور معياري يستند إلى الدقة والموضوعية والتوازن والحياد، وهو ما يؤسس لمصداقية تتيح لأي وسيلة إعلامية تكوين رصيد متنام من المصداقية لدى عملائها، فضلاً عن تراكم مادي يصب في مصلحة غاياتها الاقتصادية والتسويقية والمالية.

فما نراه حاليا في عدد من محطاتنا الفضائية «اللاإعلامية»، أنها تركز على عرض السلبيات وترسخ من مفهوم أحادية الرأي من دون الاستعانة بآراء خبراء مختصين، والاستناد إلى حقائق وأرقام، وليست إشاعات وأقاويل، لتتحول بذلك إلى معاول هدم وتخريب ترتدي زياً إعلامياً. والغريب هنا أن سباقاً يحدث بين بعض القنوات الفضائية الخاصة «اللا إعلامية» للتسابق في ما بينها لالتقاط السلبيات، وهو ما أصبح مثاراً للفخر بالنسبة لها، حتى لو كان ذلك منافياً لقيم لمجتمع أو انتهاكاً لمعايير العمل الإعلامي.

ولعل من أبجديات علم الإعلام أنه يتعين علينا تعزيز القيم الحميدة في المجتمع والتصدي لقضاياه بأداء إعلامي سليم ينبع من النقد الموضوعي البنّاء بعيداً عن التجريح والأغراض الشخصية التي تسيء في معظمها إلى سمعة المجتمع والوطن والمواطن. فكثير من المحطات الفضائية الكويتية تعمد إلى انتقاء مواد صحفية وإعلامية وقصص وبرامج ومقالات وأخبار وتحليلات ومسلسلات تلفزيونية تخدم أغراض الإثارة والغرائزية، وبعيداً عن التناول الموضوعي الرصين للقضايا.

وقد خلقت تلك القنوات الفضائية بممارساتها «اللاإعلامية» مناخاً خصباً لبروز دخلاء مهنة الإعلام في الكويت ممن يفتقرون للتأهيل العلمي والعملي المطلوبين، وهو ما يجعلهم يقتاتون على تسويق «ثقافة الفضائح» بتركيزهم على قضايا سطحية وبرامج تافهة تخلق انطباعا سلبياً وصورة سيئة عن المجتمع الكويتي، وتكون مادة للتندّر تلوكها الألسن في الدواوين والمجالس، حتى لو جاء ذلك على حساب القيم والأخلاق والعادات والتقاليد الكويتية الأصيلة.