في النوعية «الخفيفة» من الأفلام السينمائية، والنوعية «المتعمقة»، توجد الأفلام الناجحة وتلك الفاشلة، والتي لا يجب أن نخلط أو نقارن بينهما أبداً، ولا ينبغي أن نظلم أحداً.

Ad

أشعر أحيانًا باختلاف غير قليل بيني وبين كثيرين من نقاد السينما، في ما يتعلق بأفلام السينما المصرية هذه الأيام، ولا أعني الذين يدّعون النقد، فهؤلاء لا يجب أن نعيرهم اهتماماً، بل أعني نقاداً جادين وحقيقيين، بل إن بعضهم لديه عندي احترام خاص.

إنهم لا يكفون عن مهاجمة كاملة وشاملة ضد كل ما تعرضه السينما المصرية من أعمال في هذه المرحلة، خصوصا تلك التي تنتمي إلى الفكاهة بشكل أو بآخر، فهي عندهم ليست سوى تلك الموجة السفيهة من أعمال من يطلق عليهم المضحكين الجدد، رعيلاً، أو صفاً، تلو آخر.

وهي برأيهم الموجة التي أودت بالسينما المصرية ووصلت بها إلى الخراب... منذ عقد، ويمكن أن تزيد نصف عِقد، من الزمان.

الحق أن السينما المصرية عرفت دائماً، على مر تاريخها، ما يمكن وصفه بـ«الأفلام الخفيفة»، وإذا شئنا تعبيرات أخرى، فلنقل: سينما الترفيه... أو سينما التسلية... أو السينما الشعبية، بل إنها النوعية الغالبة دائماً.

أكثر من ذلك، فإن ذلك حال السينما عالميا وعلى مر تاريخها.

منذ نشأة السينما سواء في مصر أو في أي بلد من العالم، ولدت ومنذ اللحظات الأولى نوعيتان أساسيتان، الأولى يغلب عليها طابع التسلية والترفيه، وأخرى مختلفة تماماً تمثل الفن السينمائي الخالص في أرقى صوره، وهى تجسيد فني وجمالي، ناضج بدرجة أو أخرى، لرؤية فنان الفيلم (مخرجه) للمجتمع الذي يعيش فيه وللحياة الإنسانية التي ينتمي إليها، وهي نوعية يهدف أصحابها في الأساس إلى تطوير المجتمع والحياة من قبلهم، أو إلى تطوير الفن الذي يشتغلون به، أو الهدفين معاً في آن.

النوعية الأولى الترفيهية هي الغالبة في العالم، والنوعية الثانية الفنية هي النسبة الأقل بل الأندر، ودائماً كانتا تتعايشان، وفي كل مكان، ولا تعارض بينهما أبداً ولا تضاد، بل يجمع بينهما دائماً عنصران أو أمران:

الأول: هو القدرة على الإمتاع الفني السينمائي الذي يظل قاسماً مشتركاً بين كليهما، وإن اختلفت أو تفاوتت أسباب الإمتاع ومنابعه أو مصادره في كل منهما.

الثاني: المهم في كليهما هو الإتقان والقدرة على «الصناعة الصحيحة»، إذا جاز التعبير، وأن يُصنع «فيلم التسلية» و«فيلم الرؤية» الفني بتمكّن واقتدار..!. كذلك شاهدنا وشهد تاريخ السينما، محاولات فاشلة في كلا الجانبين.

نعود إلى السينما المصرية وأفلامها هذه الأيام التي تهاجَم «بموقف دائم جاهز» في الأحوال كافة، وبالطبع فإن لغلبة تلك النوعية الأولى (التسلية) ذات طابع الفكاهة على السينما المصرية في الحقبة الأخيرة وبهؤلاء النجوم ومن تلك الأعمار الشابة تحديداً، أسبابا عدة: بعضها خاص بالسينما والبعض الآخر خاص بالمجتمع وأحيانا بالسياسة، على أن ذلك وحده يستحق كتابة مستقلة متأملة ومحللة.

المشكلة في السينما المصرية الآن، أنها تسير على ساق واحدة، هي النوعية الخفيفة.

لعل ذلك ما يستفز مجمل النقاد فيشنون هجوماً كاسحاً على أفلامها جميعها ويظلم تلك الأفلام، ويختلط في تقويمها «الحابل بالنابل»، فبعضها جيد ومتقن، وتلك الأحكام يمكننا الأخذ بها، شريطة أمر محدد: هو الأخذ بمعيار أنها من نوعية الأفلام الخفيفة أو سينما التسلية.

المهم ألا تختلط المعايير، فتختل الموازين وتخطىء الأحكام.