تفتيش الهيكلة ... فيلم رعب كويتي!

نشر في 03-07-2008
آخر تحديث 03-07-2008 | 00:00
 حمد نايف العنزي الحكومة تتمنى أن يخف تدريجياً اعتماد المواطنين على الوظائف الحكومية، وتشجعهم باستمرار على أن يتوجهوا إلى العمل في القطاع الخاص، وقد دعمت توجهها هذا من خلال «برنامج هيكلة القوى العاملة»، حيث قدمت من خلاله الدعم المالي للعاملين في القطاع الخاص، والمتمثل في العلاوة الاجتماعية كحافز للالتحاق بهذه الوظائف، لكن المنهج «التجسسي» الذي تتبعه هذه الإدارة «الهيكلية» مع موظفي القطاع الخاص، والقوانين «الحامورابية» التي تطبقها عليهم، والتي بدورها تحتاج إلى مراجعة شاملة وإجراء تعديلات كبيرة عليها، نفّرت المواطنين من العمل في القطاع الخاص، وقدم الكثير منهم استقالاتهم وعادوا يطلبون ود الوظيفة الحكومية مرة أخرى، لأن «هيكلة القوى العاملة» قد تحولت بقدرة قادر إلى فرع للمباحث، تخصصت بملاحقة الموظفين وكأنهم مجرمون خطيرون، ينبغي متابعتهم باستمرار وتسجيل التقارير عنهم، تمهيداً للقبض عليهم، ومعاقبتهم على أي خطأ!

وسأخص بحديثي اليوم الموظفين في القطاع التعاوني، حيث تحدث لي بعضهم شارحاً معاناته، وهم لمَن لا يعلم، أقل الكويتيين من حيث الرواتب، حيث لا تتجاوز رواتبهم في أفضل الأحوال ومع الزيادات الأخيرة الـ400 دينار، وأغلب العاملين في هذا القطاع من النساء الكويتيات اللواتي تجاوزن الثلاثين من العمر، ولم يكملن تعليمهن الثانوي، فالتحقن بدورات على الحاسب الآلي لمدة عام قبل أن يتم توظيفهن، والأغلبية منهن دفعتهن الحاجة الماسة إلى الالتحاق بهذا العمل والقبول بهذه الرواتب المتدنية، من أجل مساعدة أزواجهن على تكاليف العيش، بعد أن التهمت القروض أكثر من نصف راتب الزوج ولم يعد يفي بالحاجة، وهي حال أغلب الكويتيين اليوم!

هؤلاء العاملات «رضين بالهم ولم يرضَ الهم بهن»، فالهيكلة «حاطه دوبها ودوبهن» وليس لديها عمل سواهن، و«التفتيش الهيكلي» الذي يمر عليهن كل يومين أو ثلاثة، أصبح يشكل رعباً للعاملات هناك، فـ«يا ويلها ويا سواد ليلها»، إن جاء السيد المفتش يوماً ولم يجدها في العمل لأي سبب من الأسباب، والأسباب كثيرة، فقد يكون سبب غيابها مراجعة في المستشفى أو استدعاء من المدرسة لأجل أحد الأبناء، أو معاملة في إحدى الوزارات تتطلب حضورها شخصياً، أو مشوارا خاصا بالعمل نفسه، لكن هذا كله لا يعني شيئاً للمفتش «المرعب»، فكل ما يعنيه أنها غير موجودة، وأنه سيكتب ذلك في تقريره «السري» للغاية، وغير مهم عنده إن كان هذا الغياب بإذن رسمي أم «تزريقه»، فالأمر سيان عنده، فعدم الوجود في مكان العمل «طوال الوقت» إثم عظيم وذنب لا يغتفر، وسيكلف الموظفة المتغيبة «نصف ساعة» فقط، إيقاف راتبها لمدة قد تصل إلى «ستة أشهر»، قبل أن تتعطف وتتوسل وتحضر واسطتها، ليعاد إليها راتبها «إن حالفها الحظ» ولم تدخل السجن، لتأخرها بدفع الأقساط المستحقة عليها لعدد من الشركات والمؤسسات التجارية!

فحسب المفهوم «المتميز» للأخوة في «برنامج هيكلة القوى العاملة» عن الالتزام في العمل، ونظرتهم للموظف المثالي، ينبغي لهذه المسكينة، من أجل أن تستلم الـ450 ديناراً في آخر الشهر، أن «تنطم وتنثبر» وتتحول إلى قطعة من أثاث المكتب، لا تتحرك بعيداً عنه أبداً، ولو لثواني» وإن حدث- لا سمح الله- وواتتها «حالة طارئة»، وأرادت الذهاب إلى دورة المياه كبقية خلق الله، فينبغي لها أن تستجمع قواها و«تحبسها» حتى نهاية الدوام، فقد يحدث ما لا تحمد عقباه، ويظهر «زوار الهيكلة» فجأة، ولا يقتنعون أبداً بأنها كانت في الحمام، فربما ظنوا- ولهم في سوء الظن جولات- أنها قد تلقت اتصالا من إحدى زميلاتها، تخبرها بوصول «البيه» المفتش فجاءت تجري على عجل!

وليت الامر يقتصر على الوجود في العمل، فهناك أمر آخر تعاقب عليه الهيئة، ألا وهو «صدقوا أو لا تصدقوا» أن تكون الموظفة مجتهدة في عملها، ويتم ترقيتها إلى وظيفة أعلى وبمسمى وظيفي آخر، فحينها سيغضب الأخوة في الهيكلة أشد الغضب، وسيوقفون راتبها لشهور عدة، وذلك لأن مسماها الوظيفي «اسم الله عليه» قد تغير، وهو ذنب عظيم لو كنتم تعلمون، فهذا الأمر، يتطلب «جهوداً مضنية» من العاملين في الهيكلة لتغيير المسمى الوظيفي، وعليها أن تستعين بالصبر و«تدبر عمرها» حتى يتموا هذا الإنجاز العظيم، وأن تحث الخطى خلال فترة توقف راتبها التي تمتد إلى شهور، نحو صديقاتها، لتتسول من هذه، وتقترض من تلك، حتى تتم مدة عقوبتها، عقوبة الجد والاجتهاد!

نتمنى من حكومتنا، التي للأسف، تهوى التفرج على المشاكل من دون أن تبادر الى حلها، أن تتحرك هذه المرة- هذه المرة فقط- وتوقف هذا «التعسف الهيكلي» عند حده، وتطبق قانون العقوبات في الوظائف الحكومية على القطاع الخاص، فتخصم يوما أو يومين على مَن يتغيب أو يتأخر عن عمله من دون إذن رسمي، أما أن توقف رواتب الموظفين لشهور من دون وجه حق، فهذا أمر لا يقبله العقل ولا يرضاه الشرع، ولا ينبغي السكوت عنه مطلقاً، ونطالب الأخوة النواب بأن تكون لهم وقفة جادة حيال هذا الأمر، لكي نعيد لهؤلاء الموظفات حقوقهن ونحفظ كرامتهن، والأمر ينطبق على موظفي القطاع الخاص جميعهم، فهم في الهمّ سواء!

back to top