ما قاله الحربش أمس في حوار صحافي يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك صراعاً داخلياً في صفوف «حدس» بين الوجوه الشابة التي يمثلها الحربش، وحرس الحركة «القديم» المسيطر على كل شيء داخل «قلعة الروضة». ومشكلة «حدس» أنها حبست نفسها في برجها العاجي. وفي السياسة عندما تبتعد عن الشارع، فإنه «سيضربك على قفاك» في أقرب استحقاق.

Ad

مجموعة كبيرة من ردود القراء التي وصلت إليّ عبر الإيميل، أو من خلال التعليقات عبر موقع «الجريدة» وموقع «الآن» الإلكتروني، الذي نشر مقالي الأربعاء الماضي «الحربش... هل يقود حركة التمرد في حدس»، كانت تدور في فلك التهكم عليّ، بوصف «المعلقين» أن ما كتبته يأتي في إطار التمني وليس الواقع، على اعتبار أنني «حاقد» على الحركة، وأنني أريد إثارة الجدل بشأن نوابها.

المقابلة التي أجرتها الزميلة «الراي» مع النائب جمعان الحربش، ونشرتها أمس، أثبتت صحة ما ذهبت إليه في مقالي السابق من أن علاقة الحربش والحركة ليست على ما يرام، وأن الرجل قد طفح به الكيل من «العقلية» التي تدار بها حدس «سياسياً»، بل ان المعلومات المسربة تفيد بأن الرجل ومنذ نجاحه في الانتخابات الماضية لم يحضر أيا من اجتماعات المكتب السياسي لـ«حدس»، تعبيراً عن احتجاجه على الوضع القائم.

مما قاله الحربش في المقابلة: «حدس ستخسر وجودها السياسي إذا لم تشرك أنصارها في قراراتها»، ويضيف: «الحركة أخطأت عندما لم تحسن التعامل مع الشارع باتخاذها القرارات بعيداً عنه»، ويختم: «لا نريد أن تتحول الحركة إلى نخبوية بعد خسارتها مقاعد المناطق الخارجية».

يخطئ من يعتقد أن ما قاله النائب يأتي في إطار جلد الذات أو محاولة تبرير الفشل، بل تذمر، وبداية تمرد قد تصل إلى ملامسة الخطوط الحمراء التي غلفت نهج وخطاب «حدس» السياسي منذ عقود، كما أنه يثبت بما لا يدع مجالاً للشك، أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن هناك صراعا داخليا في صفوفها بين الوجوه الشابة التي يمثلها الحربش، وحرس الحركة «القديم» المسيطر على كل شيء داخل «قلعة الروضة».

انتقاداتنا السابقة جميعها لـ«حدس» كحركة سياسية، انصبت في النقاط الثلاث التي ذكرها الدكتور جمعان، ولم تكن محصورة في شخوص ونواب الحركة، كما يكتب غيرنا، وهو ما يبعد تهمة «الشخصنة» عن طرحنا، فنحن نحترم «حدس» كحركة سياسية فاعلة لها تأثيرها على الحدث السياسي الداخلي، كغيرها من القوى والتيارات السياسية والكتل النيابية، التي تكمل بعضها بعضا لتصنع الموقف السياسي والنيابي من أي قضية، وبالتالي فإن ضعف أو تفكك أي منها لا يخدم العمل السياسي بوجه عام.

مشكلة «حدس» أنها حبست نفسها في برجها العاجي. وفي السياسية عندما تبتعد عن الشارع، فإنه «سيضربك على قفاك» في أقرب استحقاق، وهذا ما نبّه إليه الحربش، لاسيما أن نظام الدائرة الانتخابية الواحدة قد يطبق في أي وقت ولأي سبب، حينها ستدرك الحركة التي توشك أن تتحول إلى «نخبوية» أن صوت ناخب أم الهيمان يعادل صوت ناخب الشامية، خصوصا أن «حدس» عانت في هذا المجلس إشكالية أن الصانع والشايجي ينتميان إلى شريحة اجتماعية واحدة، فبدت ميزة التمازج الاجتماعي-السياسي مفقودة لدى نوابها في ظل سقوط ممثليها في المناطق الخارجية.

على كل، تتحدث الأخبار عن انتخابات تطال منصب الأمين العام والمكتب السياسي، ستجريها الحركة بعد «غبقتها» الرمضانية هذا العام، وستكون نتائجها مقياساً لمدى استيعاب «حدس» للدرس. لكنني أتوقع، كما يتوقع غيري وعلى رأسهم الحربش ربما، أن صراع المصالح والمناصب قد يغيّب العقول ويجعل بعضهم يقرأ النتائج والحقائق بالمقلوب... وإن غداً لناظره قريب.