النقاش المتداول بشأن القضايا التعليمية، التي تناولنا بعضها في مقال الأسبوع الماضي، يجرَّنا نحو مناقشة حال العلم والتعليم في الكويت بشكل عام. فمن المنطقي أن ينعكس التراجع الذي أصاب الكويت في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية خلال الثلاثين سنة الماضية على النظام التعليمي ومخرجاته، والتي بدورها تدخل سوق العمل فتولِّد مزيداً من التراجع، وبذلك تغرق الدولة في مستنقع من التراجع والفساد إلى أن تظهر قيادة تنقذها بنهج جديد وخطوات شجاعة ونظرة بعيدة المدى.
لقد تعرض مفهوما التعليم والعلم خلال تلك السنوات لتلويث منظم، فبتنا نرى تلك المفاهيم بشكلها الملوث الجديد تترسخ في ثقافة المجتمع وتصبح قواعد عامة، فعلى سبيل المثال لم يعد المجتمع يؤمن بمهمة ومنزلة المعلم كما وردت في بيت الشعر «كاد المعلم أن يكون رسولاً»، ويكفي أن تسأل طلبة كلية التربية الأساسية، أو تسأل أولياء الأمور الذين يحثون أبناءهم وبناتهم على الانضمام إليها، فتجد الإجابة بأنهم يرغبون في العمل في التدريس، «لأنه مريح وليس به تعب، ولأن المدرس يحظى براتب عال، ولأنه ينعم بعطلة صيفية براتب كامل»، ولن تسمع أي ذكر عن تلك الرسالة التي تحدث عنها الشاعر.المثال الثاني يتجسد في الحديث الدائر أخيراً بشأن توجه جامعة الكويت إلى تعيين عميد سبق أن أُدين من قبل لجنتي تحقيق بسرقة أبحاث علمية، وتعيين عميد آخر سبق أن تم فضحه إثر قيامه بسرقة مقالات صحافية، الأمر الذي حسمه مجلس الجامعة - «مشكوراً»- بقراره عدم تعيينهما في اجتماعه يوم الأحد الماضي، وقد تعمدت وضع كلمة «مشكوراً» بين قوسين لأنني سمعتها ضمن رد فعل بعض الأكاديميين والمهتمين بالخبر، وهو ما يبين- ولو بحسن نية- تلوث مفاهيم العلم والتعليم لدينا، إذ نتنفس الصعداء لعدم تعيينهما وحل إشكالية المناصب، بينما نرضى ببقائهما في الجامعة كمدرسين ونتجاهل إشكالية انتهاك قدسية العلم والتعليم.إذن نخلص إلى أننا نتيجة لتلويث مفهومي العلم والتعليم، لم يعد لدينا طالبو علم، بل طالبو شهادات، ولم يعد لدينا معلمون بل موظفون، ولم يعد لدينا أكاديميون، بل سُراق علم، وأصبح لدينا تجمع لحملة شهادات الدكتوراه حصل أعضاؤه على شهاداتهم من جامعات رديئة وفاسدة ويزايدون على الأكاديميين الحقيقيين بالعلم والتعليم، ويطالبون بتعيينهم في المؤسسات التعليمية لينعموا برواتب ومميزات أساتذتها، ويجدون نواباً في البرلمان يدعمون مطالباتهم.Dessert«مشكورة» نقولها لوزارة التعليم العالي لقرارها إيقاف الاعتراف ببعض الدكاكين التعليمية في مصر والبحرين، ونرجو ألا تكون الصفة المؤقتة للقرار مدخلاً للالتفاف حوله بعد أن تهدأ المطالبات، كما يجب أن ينسحب القرار على مزيد من الدكاكين في دول عربية وأجنبية أخرى.
مقالات
التعليم الملوث والعلم المسروق
17-07-2008