«كلما دقَّ الكوز بالجرة» ويُواجِهُ إحدى الدول أو إحدى المنظمات مأزقٌ سببه الأفعال الطائشة والتقديرات والحسابات الخاطئة يبدأ الصراخ ويبدأ شتم العرب، وهذا ما سمعه العالم كله عندما اتهم أحدهم، في خطاب عرمرمي أمام عشرات الألوف مــن الذين «أُستُوردوا» استيراداً ليصفقوا له ويهتفوا بحياته، الأمة العربية بأنها لم تملأ ماء البحر سفيناً وتفك الحصار عن غزة.

Ad

هناك مثل قبيح يقول: «الذي أصْعد الحمار الى الشرُّفة عليه إنزاله من فوقها»! فالأمة العربية لم تُسْتَشرْ في كل هذه الأفعال التي جرت، والتي تجرى يومياً لاستدراج الحصار الى غزة المسكينة والمبادرة التي أقرتها القمم المتلاحقة منذ عام 2000 وحتى آخر قمـــة «ركلها» هؤلاء بأرجلهم واتهموا أصحابها بالخيانة وبالتطبيع والتخلي عـــن القضية المقدسة!

بعد غيبة الإمام موسى الصدر كل هذه الغيبة الطويلة في أعقاب زيارة غير ميمونة قادته لبعض حلفائه، وكان يومها ينهمك في إنشاء حركة «أمل» التي يقودها الآن نبيه بري، امتلأت شوارع بيروت بالإطارات المحترقة ورُشمت جدران بيوتها بالملصقات التي تقول: «أين الإمام يا عرب؟!».

وبالطبع فإن الإمام، الذي نسأل الله ان يردَّ غيبته إذا كان لايزال حيّاً وأن يرحمه الرحمة الواسعة إذا كان قد قضى نحبه، قد ذهب في تلك الرحلة دون ان يستشير إلا الدولة التي استضافته، والتي تبرأت وتتبرأ مما حصل له براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وكل هذا بينما العرب الذين امتلأت شوارع العاصمة اللبنانية بملصقات اتهامهم بالمسؤولية عما جرى له، لم يعلموا إلا من خلال الإذاعات ووسائل الإعلام بما حصل مع هذا الرجل الطيب الذي يبدو أنه دفع حياته ثمناً لرفضه مبدأ «ولاية الفقيه»، وكان ذلك عشية انتصار الثـورة الإيرانية.

هناك قادة ملهمون أقحموا بلدانهم في حروب مدمرة عبثية كانت نتائجها كل هذه الويلات التي نراها الآن من دون ان يكلفوا أنفسهم ويُبلغوا ولو دولة عربية واحدة بما كانوا ينوون فعله ثم عندما جد الجد واكتشفوا ضخامة أخطائهم وما جرَّته مغامراتهم على أنظمتهم أخذوا يدبون الصوت ويحملون العرب مسؤولية الحصار الذي فرض عليهم وعلى شعوبهم، وكأن هذه الأمة تعمل «قطروزاً» عندهم وعند آبائهم وكأن القادة العرب يشتغلون عرفاء خفرٍ في جيوشهم وفرق حرسهم الجمهوري وميليشياتهم الحزبية.

لم تعد الجماهير العربية «الغفورة» كما كانت عندما كانت تصدق كل ما تسمعه وعندما كانت تخرج الى الشوارع لتقلِّع أشجارها وتجتاح محلاتها التجارية وتعتدي على رجال الامن فيها بمجرد ان تسمع القائد الملهم يهدد الإمبريالية ويتوعدها ويشتم «الرجعية»، ويتهمها ويعلن ان التحرير غدا قريباً وأن انتظار فلسطين لن يطول!... لقد انتهى ذلك الزمن ولهذا فإنه على كل من يركب رأسه ويتصرف وفقاً لحساباته الخاصة وخدمة لـ «أجندات» غير عربية ثم يحاول ان يضع العرب أمام واقع لم يستشاروا فيه ان يقلع شوكه بنفسه والمثل يقول: «لا رأي لمن لا يطاع»، وإن من يرفض الانصياع للموقف العربي الموحد لا يحق له ان يتهم الآخرين بالتقصير والتقاعس والمثل يقول أيضاً: «يداك أوكتا وفوك نفخ!».

* كاتب وسياسي أردني