خلال الشهر الماضي، أعلنت اثنتان من كبريات الصحف اليومية الأميركية نواياهما في البحث عن ملاك جدد أو إغلاق الصحيفتين بسبب تردي المبيعات وعائدات الإعلان في السوق الأميركية. الصحيفتان، اللتان أعلن ملاكهما هذه الخطوة بشكل منفصل هما «ميامي هيرالد»، إحدى أكبر صحف ولاية فلوريدا، وصحيفة «روكي ماونتن نيوز»، إحدى أكبر صحف ولاية كولورادو.

Ad

يأتي إعلان هاتين الصحيفتين في الوقت الذي يعاني فيه العالم أزمة اقتصادية خانقة، بتنا نرى تبعاتها حتى في الكويت من خلال الاستغناء عن خدمات بعض الموظفين في القطاع الخاص في محاولة من الشركات لتقليل المصروفات والمحافظة على قدرتها في المنافسة في مناخ اقتصادي صعب، كما يأتي في ظل تطور رهيب تشهده أغلب قطاعات الأعمال في العالم يذكرنا بنظرية «البقاء للأصلح... أو الأقوى»، فمستقبل صناعة السيارات في أميركا مهدد بسبب عدم قدرة الشركات الأميركية على منافسة السيارات الأوروبية واليابانية إلى أن أتت الأزمة الاقتصادية الحالية لتقصم ظهرها، وتضعها في مواجهة مباشرة مع كسلها وعدم تطورها خلال السنوات الماضية، فمستهلك السيارة الآن لم يعد يبحث عن السيارة القوية والجذابة فحسب، بل يبحث عن السيارة التي لا تستهلك الوقود والذكية بمواصفاتها ومميزاتها، وهو أمر أبعد ما يكون عن السيارات الأميركية. وكما في سوق السيارات العالمي الذي قد لا يمتُّ لواقعنا المحلي بصلة واضحة، فصناعة الإعلام باتت تشهد منافسة كبيرة تتجسد في سرعة نقل المعلومة وجودتها ومصداقيتها، وهو أمر نفتقده هنا، فما واجه «ميامي هيرالد» و«روكي ماونتن نيوز» ومن قبلهما إحدى أحدث الصحف في مدينة نيويورك، وهي «نيويورك صن» التي أنشئت عام 2002... هذه الصحف التي تواجه مشاكل اقتصادية، لم يجعلها تعاني عدم السرعة في نقل المعلومة، فجميعها لها مواقع على الإنترنت تنقل الأخبار لحظة وقوعها، كما لا تفتقد للمصداقية، لكنها ربما تفتقد جودة الخبر، فباتت الصحف المعروفة وذات الأسماء القوية كـ«النيويورك تايمز» أو «وول ستريت جورنال» تحظى، بسبب سمعتها وجودة محرريها، بأسبقية الأخبار.

وللأسف، فإننا إذا ما نقلنا النموذج الأميركي إلى الكويت لنرى فيه وسائل إعلامنا، فسنرى أن أي صحيفة كويتية لن تستطيع الصمود في وجه المنافسة الإعلامية لأسبوع واحد، فالصحف الكويتية، وإن كان بعضها يمتلك المصداقية وجودة الخبر، فإنها حتماً لا تمتلك وسائل سرعة نقل المعلومة، فالقارئ اليوم يريد أخباره أولاً بأول وحسب مزاجه، متى ما أراد قراءة الصحف، وبات من الصعب على صحف طبعت في الليلة الماضية أن تلبي ما يريده القاريئ عندما يهم بقراءة الصحيفة في ظهيرة اليوم التالي، لذلك نرى أن أغلبية الأخبار المحلية المهمة لم تعد تأخذها الصحف المطبوعة على أنها الخبر الرئيسي في اليوم التالي، فالخبر شاع بين الناس عن طريق الإنترنت أو الرسائل القصيرة أو غيرها... لذلك فإن أي صحيفة أميركية ذكرناها لو دخلت سوق الكويت بإمكاناتها، فإنها حتماً ستقضي على الصحافة كما نعرفها الآن، فلن يكون أمام الصحف الحالية سوى تطوير نفسها أو البقاء على ما هي عليه. في الولايات المتحدة، وهي السباقة دائماً إلى خلق أنماط الاستهلاك العالمية، يقضي الناس اليوم وقتاً أكثر من أي وقت مضى أمام شاشات الكمبيوتر لدرجة أن الإنترنت يستحوذ على وقت أكبر من مشاهدة التلفاز، وهذا أمر لم يكن موجوداً في السابق. كما أن أغلبية الناس تأخذ أخبارها من الإنترنت اليوم بدل الصحافة المطبوعة، وهذه المرة الأولى التي يتخطى فيها الإنترنت الصحافة المطبوعة... فموقع صحيفة نيويورك تايمز على الإنترنت لديه قراء أكثر من نسخة الصحيفة المطبوعة... ولدى جيل المراهقين، يأتي التلفزيون في المرتبة الرابعة في قضاء أوقات فراغهم بعد الإنترنت ومحادثة أصدقائهم والذهاب إلى السينما، والأمر لم يكن كذلك قبل 5 سنوات عندما كان التلفزيون في المرتبة الأولى... كل هذه البيانات تعد مؤشرات قوية على اضمحلال ما يسمى بالإعلام التقليدي وبروز ما يسمى بالإعلام متعدد الاستخدامات، حيث تتزاوج وسائل الإعلام التقليدية مع غير التقليدية... فالصحف لديها نسخة تقليدية مطبوعة وموقع إنترنت يحتوي على أخبار مسموعة ومرئية (فيديو) ومقروءة... وباتت النسخة المطبوعة من الصحيفة ملخصاً لأهم المنشور على موقع الصحيفة بالإضافة لبعض الأخبار والتحقيقات الأخرى.

«... يتبع»