القرصنة... التاريخ والمشكلة والحل (2-5)

نشر في 03-02-2009
آخر تحديث 03-02-2009 | 00:00
 د. عمار علي حسن على الرغم من محاولة القراصنة إضفاء نوع من الإيجابية على أفعالهم، فإن القرصنة ظلت ظاهرة سلبية محرمة ومجرمة وأداة في يد قوى استعمارية طامعة، يتنادى المجتمع الدولي إلى محاربتها على مدار التاريخ، وعلى النقيض من الحالة الأولى قام أدباء وفنانون بتصوير هذه السلبيات، فرسموا الملامح الشريرة للقرصان، بوصفه لصا محترفا يتقوت على عذاب الآخرين وآلامهم.

في المقال السابق تم تعريف القرصنة وتاريخ تطورها خارج العالم العربي منذ فجر التاريخ الإنساني المعروف، أما عن الحالة العربية فقد نشط القراصنة في أواخر القرن الثامن عشر، عندما تزايد النفوذ القاسمي في مدخل الخليج العربي، حتى أصبح يشكل خطرا على بريطانيا وحلفائها في المنطقة آنذاك، خصوصاً عمان وإيران، وقد بدأ القواسم يعترضون السفن البريطانية العابرة في الخليج منذ عام 1778، لكن المواجهة الحقيقية بين الطرفين بدأت عام 1797.

وفي عام 1803 طلبت شركة الهند الشرقية من الحاكم الإنكليزي لبومباي الهندية العون لمواجهة الشيخ سلطان بن صقر القاسمي، فجرد حملة عام 1805 ضد القواسم، الذين استبسلوا في مواجهة البريطانيين، فأبرموا معهم اتفاقا عام 1806 حول استتباب أمن الخليج، لكن القواسم لم يلبثوا أن هاجموا السفن الإنكليزية، وطاردوها حتى سواحل الهند، لذا جردت بريطانيا حملة ثانية عام 1809 لتأديبهم، فاستولت على ممتلكات القواسم خارج الإمارات، إلا أن القواسم سرعان ما استعادوا هيبتهم في الفترة ما بين 1811 و1813، وتمكنوا من الاستيلاء على عدد كبير من السفن البريطانية والعمانية والإيرانية.

ووقع الطرفان اتفاقية عام 1814، لكن بريطانيا ادعت أن القواسم قد خرقوها، فهاجمت رأس الخيمة عام 1816 لكن منيت حملتها بالفشل، الأمر الذي شجع القواسم على مهاجمة السفن البريطانية، مرة أخرى في بحر العرب والبحر الأحمر وسواحل الهند وإيران، فأعدت بريطانيا حملة كبرى عام 1819، تمكنت خلالها من احتلال الإمارات برمتها. من هنا نجد أن رواية «ساحل الأبطال» تدور أحداثها في السنوات العشر الحاسمة في الصراع البريطاني القاسمي، التي تبدأ من عام 1809 إلى 1819. وما تقدم يبين أن ظاهرة القرصنة لم تكن حكرا على شعب بعينه أو جنس محدد طيلة التاريخ البشري، بل مارستها شعوب وقبائل شتى في مشارق الأرض ومغاربها.

وقد عالجت اتفاقية جنيف للبحر التي تم التوقيع عليها في التاسع والعشرين من إبريل عام 1958، موضوع القرصنة، معرفة «جريمة لصوصية البحر» بأنها تنطوي على الأفعال الآتية:

1- أي عمل غير شرعي من أعمال العنف أو احتجاز الأشخاص أو السلب يرتكب لأغراض خاصة ويقوم به طاقم أو ركاب سفينة خاصة أو طائرة خاصة موجهاً ضد سفينة أو طائرة أخرى، أو ضد أشخاص أو أموال على متنها في البحار العالية، وكذلك ضد سفينة أو طائرة أو أشخاص أو أموال في أي مكان آخر خارج الولاية الإقليمية لأي دولة من الدول.

2- أي مشاركة إرادية في إدارة سفينة أو طائرة مع العلم بأن السفينة أو الطائرة تمارس أعمال لصوصية البحر.

3- أي تحريض أو تسهيل عمدي لفعل من الأفعال المذكورة في الفقرتين الأولى والثانية من هذه المادة.

ودعت الاتفاقية عبر المادة الرابعة عشرة منها جميع الدول إلى أن «تتعاون إلى أقصى حد ممكن لقمع أعمال اللصوصية في أعالي البحار أو في مكان آخر يقع خارج نطاق الاختصاص القضائي لأي دولة». وأقرت المادة التاسعة عشرة حق كل دولة في أن تقوم بضبط أي سفينة تعمل بالقرصنة، ويجوز لها أن تقبض على القراصنة، وتستولي على الممتلكات الموجودة فيها وأن تحاكمهم بعقوبات رادعة. ثم جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار الموقعة في 30 أبريل عام 1982والتي دخلت حيز النفاذ في التاسع من ديسمبر عام 1984، لتعزز في مادتها رقم 101 ما أوردته الاتفاقية السابقة حول تعريف القرصنة، ثم تطرقت في المادة التالية إلى حالة تمرد طاقم أي سفينة أو ارتكابه عملاً من أعمال القرصنة وأجازت التدخل ضد هذه السفينة واعتبارها تمارس القرصنة.

وفي الكثير من المحطات التاريخية حاول القراصنة أن يضفوا نوعاً من الإيجابية على أفعالهم، ووقع من تناولوا الظاهرة بأساليب الفن وطرائقه في فخ تصوير الظاهرة بوصفها عملاً خيرياً أو مبرراً يتبدى فيها القراصنة رجالاً طيبين اضطرتهم ظروفهم القاسية إلى السطو على السفن وما فيها.

لكن ظلت القرصنة ظاهرة سلبية محرمة ومجرمة وأداة في يد قوى استعمارية طامعة، يتنادى المجتمع الدولي إلى محاربتها على مدار التاريخ، وعلى النقيض من الحالة الأولى قام أدباء وفنانون بتصوير هذه السلبيات، فرسموا الملامح الشريرة للقرصان، بوصفه لصا محترفا يتقوت على عذاب الآخرين وآلامهم.

وهناك مثلان واضحان في هذا المضمار، يبينان إلى حد كبير حجم ومستوى خلط القرصنة بالمقاومة في أذهان البعض، الأول يتعلق بحادثة السفينة سانتا ماريا التي استولى الضابط كولافو البرتغالي الجنسية عليها في عرض البحر ومعه حوالي سبعين مسلحا معلنا أنه يتبع «حركة التحرر الوطني» التي كان يتزعمها الجنرال ديلجادو الذي عارض حكم الدكتاتور البرتغالي سالازار. وقد انتهت العملية بقتل أحد حراس السفينة وجرح عدد من ملاحيها، لكن في النهاية أعيدت إلى البرتغال.

والثاني هو حادثة اختطاف السفينة أكيلى لورو في السابع من أكتوبر عام 1985، على يد أربعة فلسطينيين، حينما أعلنوا أنهم سيشرعون في قتل الركاب إذا لم تستجب إسرائيل لمطالبهم وتقوم بإطلاق سراح 50 سجيناً فلسطينيا، وقد استخدمت إسرائيل عامل الوقت لزعزعة ثقة المختطفين، حينها أدركوا أنها لن تنوي الإذعان لمطالبهم فوافقوا على إطلاق السفينة شريطة العودة بأمان من القاهرة إلى تونس، التي كانت تحتضن أيامها منظمة التحرير الفلسطينية، بواسطة الخطوط الجوية اليوغسلافية. وقد تمت الاستجابة لمطلبهم، لكن قوة جوية أميركية اعترضت طريق الطائرة اليوغسلافية وأجبرتها على الهبوط في قاعدة بحرية، وألقت القبض على من فيها. وقد كانت هذه الحادثة سببا في توقيع اتفاقية روما الدولية لحماية النقل البحري الموقعة في 10مارس 1988والتي دخلت حيز النفاذ في مطلع مارس عام 1990.

* كاتب وباحث مصري

back to top