غير مفهوم كيف ان القرار الأخير رقم 1860، الذي أصدره مجلس الأمن الدولي، بعد معركة دبلوماسية باسلة خاضها الوفد العربي، الذي ذهب الى نيويورك بمشروع قرار لم يستطع تمريره كله، لا يعني حركة حماس، كما قال عضو مكتبها السياسي محمد نزال، وكما أصبح مؤكداً ان هذا هو موقفها الرسمي إن هي لم تتراجع وتنظر الى هذه المأساة التي حلَّت بـ«غـزة» والشعب الفلسطيني كله من زاوية غير الزاوية التنظيمية والحزبية الضيقة.
لقد اتخذت حركة حماس هذا الموقف العدمي فعلاً من هذا القرار لأن مشاورات ومساومات التوصل إليه لم تشملها، ولأنها كانت قد خططت عندما انقلبت على منظمة التحرير وعلى محمود عباس (أبو مازن) والسلطة الوطنية، الى مواصلة التصعيد الى ان تفرض نفسها على الفلسطينيين والعرب وعلى العالم بأسره كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني لا ممثل غيره. كانت «حماس» تعتقد أنه بعد اندلاع هذه الحرب الغاشمة الدموية، سيصبح بإمكانها ان تفرض نفسها على القمة العربية التي أرادها تحالف ما يسمى «الممانعة» سريعة وبمن حضر، وأن تفرض نفسها بالتالي على اجتماع وزراء الخارجية العرب وعلى الأمم المتحدة، وأن يتم إلغاء كل الصيغ الفلسطينية القائمة، من رئاسة ومن منظمة تحرير ومن سلطة وطنية، ولكن هذا لم يحصل وهو لم يكن متوقعاً ان يحصل، لأن الظروف الحالية غير ملائمة لمثل هذا التحول، ولأن الدول الغربية صاحبة القرار على هذا الصعيد لاتزال تعتبر حركة المقاومة الإسلامية منظمة إرهابية ترفض السلام وتريد تدمير دولة إسرائيل وتتبع نهج الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ربما أنه لم يتنبّه أحد الى ان وكيل خارجية حكومة إسماعيل هنية (المُقالة) الدكتور أحمد يوسف قد أدلى بتصريحات لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، بينما كانت المساومات التي أنتجت القرار 1860 في ذروتها، قال فيها إن حركة «حماس» موافقة أصلاً على حلِّ الدولتين، وانها مستعدة للاعتراف بكل متطلبات العملية السلمية إن هي أُعطيت فرصة حقيقية لتكون الشريك الفلسطيني في هذه العملية، لكن هذا لم يؤخذ على محمل الجد ويبدو أنه تم النظر إليه على أنه مجرد مناورة للتشويش على ترؤس محمود عباس (أبومازن) للوفد العربي الذي ذهب الى نيويورك، من أجل ضمان صدور هذا القرار الذي صدر، والذي رفضته حركة المقاومة الإسلامية ورفضته إسرائيل. إنه لم يكن متوقعاً ان تثير حركة «حماس» هذه المشكلة في مثل هذه الظروف والأوضاع، حيث العدوان الإسرائيلي في ذروته وحيث غزة تذبح من الوريد الى الوريد، وأيضاً حيث أصبحت القضية الفلسطينية في مهب الريح، فالمفترض ان محمود عباس (أبومازن) المُنتخب بانتخابات حرة وديمقراطية يمثل الجميع، والمفترض ان منظمة التحرير التي يرأسها هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والمفترض ان معركة بكل هذا الحجم وبكل هذه الخطورة والمصيرية تضع المصالح العليا للفلسطينيين فوق المصالح التنظيمية والحزبية الضيقة. قبل إرسال جيشهم الى هذه الحرب المدمرة، التي ستثبت الأيام ان أهدافها لن تقف عند حدود غزة، بادر الإسرائيليون الى تناسي تناقضاتهم وتعارضاتهم وأنهم استعانوا بالشعار العربي الشهير «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة»، لتأجيل تناقضاتهم الى ما بعد هذه المعركة، وهذا ما كان يجب ان تفعله حركة «حماس» التي -وللأسف- لا تزال تتصرف وكأن هذا الذي حدث لم يحدث، والتي لاتزال تضع المصلحة التنظيمية الضيقة فوق المصالح العليا للشعب الفلسطيني. * كاتب وسياسي أردني
مقالات
موقف غريب ومُستغرب!
12-01-2009