تأمين البطالة
ينبغي على الحكومة القيام فوراً بتطبيق ما هو معمول به في الكثير من دول العالم وذلك بمنح الباحثين عن عمل «تأمين بطالة» حيث يصرف مبلغ مالي شهريا لمدة زمنية محددة (سنة مثلاً) ضمن شروط معينة للشخص العاطل عن العمل رغماً عنه، لكي يساعده ذلك على العيش بكرامة لحين الحصول على فرصة عمل ملائمة لمؤهلاته.تطرقنا في هذه الزاوية أكثر من مرة إلى مشكلة البطالة لإيماننا بأنها مشكلة خطيرة لها تبعات سلبية ونتائج مدمرة اجتماعية وسياسية واقتصادية وأخلاقية ونفسية. والمؤسف أن الحكومة لم توضح حتى الآن سياستها لمعالجة هذه المشكلة الخطيرة التي تتزايد معدلاتها بشكل مستمر، خصوصاً بعد تسريح عدد من الشركات الخاصة والبنوك التجارية عدداً من المواطنين العاملين لديها نتيجة الأزمة المالية التي تمر بها.
والسؤال المقلق هو ترى ماذا يفعل الشباب والشابات المؤهلون إذا كانت فرص العمل في وطنهم تضيق أمامهم يوما بعد يوم؟ أو لنقل، بشكل أكثر دقة، ما هو ذنبهم؟هل يتجهون إلى البحث عن عمل في القطاع الحكومي الذي يعاني بطالة مقنعة ويحتاج إلى إعادة هيكلة جذرية وعاجلة؟ أم يجلسون في بيوتهم ينتظرون فرصاً وظيفية جديدة في القطاع الخاص مشكوكا في توافرها في المدي القريب، خصوصاً أن قطاعنا الخاص الذي يعتمد في وجوده على الإنفاق الحكومي ينتظر هو الآخر ما ستسفر عنه ضغوطه الداعية لضمان الدولة لمديونياته؟! وكيف سيواجه هؤلاء الشباب والشابات ظروف الحياة المتغيرة وهم ليس لديهم دخل مادي ثابت؟ ثم هل من المعقول أن فرص العمل تضيق أمام شبابنا المؤهل ونحن دولة نفطية غنية عدد سكانها قليل جداً؟ لابد أن هناك خللاً ما... فما هو يا ترى؟ إن لطبيعة اقتصادنا وللاختلالات الهيكلية التي يعانيها فضلاً عن سوء الإدارة، دخلاً في ما نحن فيه من «حوسة». فمقومات الدولة العصرية الناجحة كلها متوافرة في الكويت، ورغم ذلك فإن مشاكلنا العامة كثيرة بعضها مشاكل بنيوية معقدة وصعبة الحل، وهذا ما سنتوقف عنده في مقال آخر مستقبلاً، لذا دعونا الآن نركز على ما هو العمل لمواجهة مشكلة البطالة؟هناك خطوات مهمة يتوجب على الحكومة اتخاذها خلال الأمدين المتوسط والقريب للتقليل من الآثار السلبية لمشكلة البطالة من ضمنها، على الأمد المتوسط، القيام بتنفيذ المشاريع التنموية الكبرى التي حتما ستخلق فرصاً وظيفية جديدة، علاوة على إصلاح الجهاز الإداري الحكومي وإعادة هيكلته ككل بما فيه المؤسسات العامة التي تملكها الدولة مثل مؤسسة البترول والشركات التابعة لها، وهو ما سيؤدي إلى توفير فرص وظيفية جديدة لكوادرنا الوطنية.أما على الأمد القريب فهناك خطوات عاجلة يتعين على الحكومة تبنيها من ضمنها إلزام الشركات التي تساهم فيها الدولة بتوظيف نسبة معينة من الكوادر الوطنية لا تقل عن 50% من مجموع العمالة لديها (يقال إن نسبة العمالة الوطنية في شركة «أم أي غلوبل» التي أسستها مؤسسة البترول عام 2004 بالشراكة مع شركة «داو كيميكال» لا تتعدي 1% من مجموع العاملين في الشركة!). كما أنه لابد من ربط المساعدات المالية التي تنوي الحكومة تقديمها للبنوك والشركات الاستثمارية لتجاوز أزمتها المالية الحالية بالتزام هذه المؤسسات التجارية في توظيف الكوادر الوطنية بما لا يقل عن نسبة 50% من مجموع العاملين لديها، وهذا بالمناسبة مطروح في مشروع قانون الاستقرار المالي للدولة الذي تقدمت به الحكومة أخيراً، ولكن التحدي الكبير سيكون في كيفية إلزام الحكومة المؤسسات الخاصة بتنفيذ هذا المطلب. بالإضافة إلى ذلك، ينبغي على الحكومة القيام فوراً بتطبيق ما هو معمول به في الكثير من دول العالم وذلك بمنح الباحثين عن عمل «تأمين بطالة» حيث يصرف مبلغ مالي شهريا لمدة زمنية محددة (سنة مثلاً) ضمن شروط معينة للشخص العاطل عن العمل رغماً عنه، أي الشخص المؤهل الذي يبحث عن عمل فلا يجده، لكي يساعده ذلك على العيش بكرامة إلى أن يستطيع الحصول على عمل يتناسب مع مؤهلاته وقدراته.