Ad

إن إسرائيل التي تعيش أحلاماً مرعبة، والتي ترى كوابيس ليلية إزاء تنامي القدرات النووية الإيرانية تجد أن عليها أن تتحرك بسرعة، وأن توفر السرية التامة لعملية صاعقة ضد طهران، ولذلك فقد غضبت غضبة غضنفرية من تصريحات شاؤول موفاز عندما صرح بضرورة توجيه ضربة إليها.

لأنه تسرَّع وتحدث عن «حتمية» توجيه ضربة عسكرية إلى إيران لوقف مشروعها النووي، فقد تعرض وزير الاتصالات الإسرائيلي شاؤول موفاز إلى سيلٍ من الانتقادات الإسرائيلية، وفي هذا المجال جاء في مقال نشره موقع «أوماديا» الإلكتروني: إن هناك شيئاً مشتركاً بين تصريحات محمد البرادعي وشاؤول موفاز، فالاثنان يكثران الكلام، ولقد أخذ الأول على الثاني قوله إنه لم يبق أمام إسرائيل مفر من القيام بعمل عسكري ضد طهران، وذلك مع أنه لا هو ولا الوكالة الدولية للطاقة يعرفان ما يجري فعلاً في الدولة الإيرانية بالنسبة لقدراتها النووية.

وهذا الغضب الشديد على موفاز ليس سببه تحميل إسرائيل مسؤولية مغامرة لا تفكر بها ولا تريدها، بل لأنه كشف سراً ما كان يجب أن يكشفه، والدليل أنه جاء في مقال «أوماديا» هذا وبالحرف الواحد: «يجب انتهاج سياسة عنيفة ضد إيران لكن يجب الإعداد لهذا الأمر بسرية تامة، فالثرثرة تؤذي وتعرقل أي عملية عسكرية بهذا الخصوص... إن هذا الأمر يعرفه وزير الاتصالات جيداً لكن طبعه السياسي تغلب على تصرفاته وأقواله».

وجاء في هذا المقال الخطير أيضاً: «إنه غير مستبعد ألاَّ يبق أمام إسرائيل أي خيارٍ آخر غير هذا الخيار، وإنها قد تقدم على هذا العمل وحدها... فلماذا إذن نقدم تحذيرات مسبقة... لقد حقق قصف المفاعل النووي العراقي نجاحاً كبيراً لأن ذلك العمل الكبير تم تحت غطاء من السرية التامة، وكذلك الأمر بالنسبة لقصف المفاعل النووي السوري... ولذلك ومن هنا فإنه من الأفضل أن يحافظ السياسيون عندنا على فضيلة الصمت... إنهم كلما فعلوا ذلك كان هذا أفضل».

إن هذا الذي فعله شاؤول موفاز وأثار عليه دبابير الذين أرادوا أن يمضي الإعداد للضربة الإسرائيلية لإيران بسرية تامة، كان فعل مثله الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان عندما أطلق في مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بينما كان في ذروة نشوته بالفوز في انتخابات ولايته الأولى، تصريحات مدوية أهم ما جاء فيها أنه «وداعاً» للشيوعية ولا اتحاد سوفييتي بعد اليوم.

بعدها صمت ريغان بالنسبة لهذه المسألة صمت أهل القبور، ولقد ساد انطباع في ذلك الحين بأن الاستخبارات الأميركية بينما كان الإعداد لما تم بعد عشرة أعوام يجري على قدم وساق قد طلبت من الرئيس القادم إلى أهم موقع في الكرة الأرضية أن يضبط لسانه، وألا يثرثر كثيراً بالنسبة لأمور على كل هذا المستوى من الخطورة، ويتطلب نجاحها توفير عنصر المباغتة والمفاجأة.

وهنا فإن ما هو غير معروفٍ ربما لكثير من المعنيين بهذا الشأن أن هناك خلافاً إسرائيلياً-أميركياً يجري في إطار وحدة الدولتين وتحالفهما الاستراتيجي، فإسرائيل تريد أن تقوم الولايات المتحدة وحدها بتوجيه الضربة العسكرية المفترضة لتدمير البنية التكنولوجية لإيران، بينما ترى واشنطن أن هذا غير ممكن بينما بدأت سنة الانتخابات الرئاسية، وبينما تقف الصين وروسيا هذا الموقف الذي تقفانه وتعارضان أي عمل عسكري ضد الجمهورية الإسلامية.

ولهذا ولأنها باتت تستبعد أن تبادر إدارة الرئيس بوش لوداع البيت الأبيض ووداع العالم كله بعمل عسكري ضد إيران فإن إسرائيل التي تعيش أحلاماً مرعبة، والتي ترى كوابيس ليلية إزاء تنامي القدرات النووية الإيرانية تجد أن عليها أن تتحرك بسرعة، وأن توفر السرية التامة لعملية صاعقة ضد طهران، ولذلك فقد غضبت كل هذه الغضبة الغضنفرية من تصريحات شاؤول موفاز التي اعتبرتها «ثرثرة» مؤذية تعرقل هذه الفرضية.

* كاتب وسياسي أردني