-1-

Ad

الزيارة الأخيرة، التي قام بها باراك أوباما، المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية لبعض دول الشرق الأوسط وبعض الدول الأوروبية، لكي يتعرف على مشاكل العالم، ويستمع إلى مرئيات قادة الدول التي زارها، تعتبر زيارة ناجحة ومفيدة جداً لمستقبل أوباما السياسي، سواء نجح في الانتخابات الرئاسية القادمة، أم لم ينجح. ويُعتبر أوباما أول مرشح رئاسي أميركي، يقوم بمثل هذه الزيارة الموسّعة، قبل الانتخابات بأربعة أشهر، لكي يردَّ على منافسه المرشح الجمهوري، الذي يصفه دائماً بعدم امتلاكه للخبرة السياسية الكافية، خصوصاً ما يتعلق بالسياسة الخارجية. ويكفي أوباما من التقدم والنصر، حين زار ألمانيا، وألقى في برلين بجانب سورها المنهار، وأمام حشد ضخم من 250 ألف ألماني، خطابه الشهير، داعياً أوروبا إلى التحالف الدائم مع أميركا، ووحدة الأطلسي، لحكم العالم حكماً عادلاً وديمقراطياً، مطالباً أوروبا بالوحدة مع أميركا، لإسقاط جدران أخرى قائمة بين أوروبا وأميركا، وبين السود والبيض، وبين المسلم والمسيحي واليهودي.

-2-

وخلال هذه الزيارة، بدأت استراتيجية أوباما تجاه الشرق الأوسط، وتجاه العراق خصوصا تتبلور، وسوف تتحقق، في حال نجح أوباما في الانتخابات، مع ملاحظة إدخال بعض التعديلات عليها. فخطابات الانتخابات «حساب الحقل» لا تتطابق دائماً مع حسابات البيت الأبيض «حساب البيدر». وما يراه الرئيس من خلال منظار المكتب البيضاوي في البيت الأبيض، يختلف عما كان يراه في وجوه وأعين ناخبيه، خلال حملاته الانتخابية.

فاستراتيجية أوباما تجاه العراق، ليس من الضروري أن تُطبَّق حرفياً في حال نجاحه في الانتخابات. ومن المحتمل جداً، أن تخضع هذه الاستراتيجية لاعتبارات عدة، من خلال ما سيجدُّ على أرض واقع العراق. فأميركا سواء حكمها الجمهوريون أو الديمقراطيون، لن تفرط بمصالحها في العراق، وفي المنطقة. وما تلك الخُطب الرومانسية الحالمة والوردية، التي يلقيها المرشحان للرئاسة في بعض الأحيان، ويفرح لها أعداء العراق الجديد، ويأملون بتخلّي أميركا عن العراق كليةً، لكي يحلّوا هم محلها، ويملأوا الفراغ الكبير، هذه الخُطب، ما هي إلا لدغدغة مشاعر الناخبين الأميركيين من كلا الطرفين، فالناخب الأميركي لا يقل عن الناخب العربي جهلاً بالسياسة الخارجية، وينساق وراء المرشح في بعض الأحيان، انسياق الأغنام وراء الرعيان.

-3-

دعونا نتعرف على تفاصيل استراتيجية أوباما تجاه العراق، كما أعلنها هو، في ما لو انتُخب رئيساً قادماً. ونريد التعرف على هذه الاستراتيجية، لأن فيها بعض الجدة، وبعض العقلانية والواقعية السياسية. أما موقف المرشحين من القضية الفلسطينية فهو محسوم، وواضح، ويتوارثه المرشحون الأميركيون عامة، وهو الموقف المنحاز كليةً الى إسرائيل، بفعل عوامل كثيرة، منها «اللوبي الصهيوني» في واشنطن، والذي لا يقابله «لوبي» عربي بالقوة نفسها، أو بأقل منها بعشر درجات. فالعرب يعتمدون على «لوبي» هزيل وضعيف وغير مؤثر، يقوده الدرويش نهاد عوض، من خلال «مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية» (كير Cair) الذي لا يقدم للرأي العام الأميركي غير التمر، والقهوة العربية المُرَّة، وحليب النياق!

-4-

تتلخص استراتيجية أوباما تجاه العراق، في الخطوات التالية، وهي خطة قابلة للتعديل والتبديل، فليس كل ما يقال في مهرجانات الانتخابات، يُنفذ في البيت الأبيض:

أ- اعتبر أوباما، أن مطالبة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، بتحديد جدول زمني لانسحاب الجنود الأميركيين من بلاده، فرصة ذهبية لأميركا. وقال، إن علينا أن نُمسك بهذه الفرصة، ونشرع في الإخلاء التدريجي لقواتنا المقاتلة. وهذه الخطة، هي التي طالما ظل أوباما ينادي بها قبل سنوات عدة وبالتحديد في 2003، استناداً إلى قناعته، بأنها مفتاح نجاح مهمة أميركا على المدى البعيد في العراق، فضلاً عن خدمتها للمصالح الأمنية لأميركا.

ب- يعتقد أوباما، أن الانسحاب لا يعني «الاستسلام»، بل تسليم العراق إلى حكومته. ويقول، إنه لن يضع موارد بلاده، ولا جيشها، رهناً لرغبة طائشة في الإبقاء على قواعد عسكرية، في بلاد الرافدين ويضيف «في اعتقادي أن في إعادة نشر قواتنا بسحبها من العراق، ما يُجبر العراقيين على التوصل إلى تسوية سياسية في ما بينهم، واتخاذ خطوة نحو إحراز النجاح في الانتقال إلى تولي المسؤولية الأمنية، والدفع ببلادهم نحو الاستقرار. وأعلن أوباما، أنه لن تكون لأميركا قواعد عسكرية دائمة في العراق، كما القواعد القائمة في كوريا الجنوبية.

ج- لن يكون الانسحاب سريعاً. وحذَّر أوباما من عواقب الانسحاب السريع، وقال: «علينا توخي الحذر في تنفيذ انسحابنا من العراق، على نقيض الطيش الذي صاحب غزونا له، وسيكون بوسعنا سحب ألويتنا الحربية المقاتلة منه، بشكل آمن خلال ستة عشر شهراً». وبعد انسحاب الألوية المقاتلة، لابُدَّ من بقاء قوة صغيرة تُكلّف بمهام محدودة، مثل ملاحقة أي فلول متبقية من عناصر تنظيم «القاعدة»، وتوفير الحماية اللازمة للعاملين الأميركيين، إلى جانب مواصلة تدريب قوات الأمن العراقية، بالتزامن مع نجاح القادة العراقيين في إحراز النجاح السياسي الذي ينشدونه، ولن يكون انسحاب كهذا متهوراً ولا خطيراً، وسوف يبدأ الانسحاب من المناطق الآمنة أولاً، ثم من المناطق المضطربة. وفي غضون ذلك ستعمل أميركا على إطلاق أقوى حملة دبلوماسية مع دول المنطقة كافة، بهدف تأمين استقرار العراق واستتباب أمنه. وتعهد أوباما بتخصيص ملياري دولار في إطار مسعى دولي جديد لدعم اللاجئين العراقيين.

د- من المعروف، أن أوباما عارض معارضة شديدة غزو العراق منذ اللحظات الأولى، وصوّت في الكونغرس «باعتباره سيناتور» ضد قرار هذا الغزو. ومن هنا، يعتقد أوباما، أن أميركا قد ارتكبت خطأً فادحاً بسماحها لنفسها بالانصراف عن قتالها لتنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان»، وبغزوها لدولة لم تكن تشكل خطراً وشيكاً على أميركا، ولا صلة لها بهجمات 11 سبتمبر. ومن المعلوم، أنه منذ اندلاع الحرب، لقي ما يزيد على أربعة آلاف من جنودها حتفهم، بينما أنفقت خزائنها العامة على الحرب ما يقارب التريليون دولار. وفي الوقت الذي استنزفت فيه قدرات جيشها، تفاقمت المخاطر الأمنية عليها من أفغانستان، إلى «القاعدة»، وصولاً إلى إيران.

هـ - يعترف أوباما، بأنه خلال الثمانية عشر شهراً، التي أعقبت إعلان الرئيس بوش خطة زيادة عدد القوات، قاتل الجنود الأميركيون ببسالة من أجل خفض معدلات العنف في العراق، بينما أسهمت التكتيكات الجديدة في حماية المواطنين العراقيين. وخلال المدة نفسها، تخلّت العشائر السُنية عن دعمها السابق لتنظيم «القاعدة»، مما أضعف نفوذه كثيراً في بلاد الرافدين. لكن أوباما يعتقد، أنه رغم هذا التقدم في استقرار الأمن في العراق، فإنه تظل له ذات العوامل التي دفعته مسبقاً لرفض خطة زيادة عدد القوات هذه، كما هي. ذلك أن الضغط على الجنود الأميركيين قد اشتد، بينما تردت الأوضاع الأمنية كثيراً داخل أفغانستان، واضطرت أميركا إلى إنفاق ما يقارب 200 مليار دولار إضافية على حربها في العراق، متجاوزة بذلك الميزانية الأصلية التي خصصتها. يضاف إلى ذلك عجز القيادة العراقية عن استثمار مليارات الدولارات من عائدات نفط بلادها في إعادة إعمارها، إلى جانب عجزها عن التوصل إلى التسوية السياسية، التي قامت عليها خطة زيادة عدد القوات أصلاً.

*كاتب أردني