دعا الزميل الدكتور إبراهيم النعيمي، جميع العلماء والمفكرين والأكاديميين إلى «القيام بحملة ندعو فيها القائمين على جائزة نوبل للسلام، ولحملة نوبل من العلماء والسياسيين والاقتصاديين، لدعم ترشيح سمو أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، لهذه الجائزة، لهذا العام لأنه الأجدر بها»- مقالة: «أميرنا حمدوجائزة نوبل للسلام»، الراية القطرية 28 مايو 2008.

Ad

ما تفضل به الأخ الزميل مطلب حق وصدق وهو مطلب الجميع في الحقيقة، قطرياً وخليجياً وعربياً بل لا نجد من هو أجدر بهذه الجائزة من سموه حفظه الله ورعاه، وذلك باعث على سعادة وفخر للقطريين والخليجيين والعرب أجمعين.

فمن استطاع أن ينجز ما عجز عنه الآخرون (فعلى امتداد سنتين) بذلوا فيها كل المحاولات الممكنة لجمع الفرقاء اللبنانيين على صيغة سياسية تحقن الدماء وتجنّب لبنان حرباً أهلية مدمرة، يستحق هذه الجائزة بكل جدراة.

نعم، لقد استطاع سموه أن يجمع زعماء لبنان في الدوحة، وفي خلال خمسة أيام تم الإنجاز التاريخي الذي أنقذ لبنان من (مؤامرة كبرى) كانت تستهدفه، بحسب تعبير رئيس الحكومة اللبنانية السنيورة.

لعلنا -اليوم- وبعد أن آتى «اتفاق الدوحة» أولى ثماره الطيبة، نتذكر تلك الأيام العصيبة التي مر بها الاتفاق، حيث كان في مخاض عسير يحول دون ولادته.

في ذلك الوقت وفي نهاية اليوم الرابع من الحوار الشاق، سّربت «المعارضة» بياناً ومن وراء ظهر الوسيط القطري وعُمّم على الإعلاميين، مضمونه «المراوغة» و«التهّرب» عن انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان، مما هدد كل الجهود المبذولة من قبل قطر واللجنة الوزارية العربية بالانهيار، ودفع بعض الكتاب إلى القول بسقوط الحوار اللبناني بالدوحة، وهناك من تحدى بحلق نصف شاربه إذا توصل الفرقاء إلى تسوية سياسية مقبولة!!

كما أن كثيرين سواء من الشخصيات السياسية أو الأطراف الإقليمية لم يكن في توقعاتهم أو حسبانهم أن الفرقاء سيصلون إلى اتفاق، وذلك بناء على استقراءات سابقة للوقائع والأحداث ولطبيعة الصراعات اللبنانية-اللبنانية ولاختلاف الموازين الإقليمية المؤثرة في الفرقاء اللبنانيين. ولكن ما لم يكن متوقعاً قد حدث، وما لم يكن في الحسبان قد حصل! كيف تم ذلك؟!

نعرف جميعاً -الآن- أن الأمور تأزمت والحلول قد استعصت وانسدت كل الطرق وانقطع الرجاء وضعف الأمل بحلول اليوم الرابع للحوار وغيم جو الإحباط واليأس وتوقع الجميع أن الفرقاء المتحاورين قد فشلوا في الوصول إلى تسوية مقبولة في إنجاز المصالحة المأمولة وعاد شبح الحرب الأهلية يلوح في الأفق وقام الشعب اللبناني قائلاً لزعمائه: لا تعودوا إذا لم تتفقوا، في هذه اللحظة التاريخية الحاسمة، جاء الفرج على يد المنقذ والمخلّص، سمو الأمير بتدخله الشخصي واستطاع إقناع الأطراق المتنازعة بالتسوية المقبولة. لقد كان -حفظة الله- مهموماً بالقضية وأبى أن يبيت قبل أن يلم الشمل وينقذ لبنان من كارثة محققة، حتى إذا أقبل الصباح كانت البشرى، وكان حمد الله وتوفيقه وسداده. وهكذا وبحسب المثل العربي «اشتدي أزمة تنفرجي»، وحينما يوجد القائد المخلص الذي لا يبتغي من وراء سعيه مصلحة خاصة أو سمعة أو رياء وإذا وجدت النيّة الصادقة وكان الثقة بالله فإن الله سبحانه وتعالى يلهم القائد الحكمة الصائبة والبصيرة النافذة اللتين بهما يشرح الصدور ويقنع العقول ويذلل الصعاب.

لقد التزمت (قطر) باحتضان الزعماء اللبنانيين في الدوحة وأتت بهم في طائرة واحدة وجمعتهم في مكان واحد وأحاطتهم بكل أنواع الرعايه واللطف، وكان كل همها أن يصل الزعماء اللبنانيون إلى «حل» يحمي لبنان من فتنة مدمرة ويصون وحدتها -من غير أي منّة أو إحسان أو مصلحة سياسية خاصة- لقد كان الهدف منذ البداية حتى النهاية، مصلحة شعب لبنان أولاً وآخراً، وبقلب صادق لا يريد جزاء ولا شكوراً، فكان النجاح والإنجاز والفرحة الكبرى. إن سمو الأمير إذا «التزم أوفى» ولذلك قال سموه في كلمته التي حملت البشرى «لم يكن يخالجنا شك حين دعونا إلى هذا الحوار اللبناني-اللبناني في الدوحة، أنه واصل بمشيئة الله إلى نجاح» إنه قوة العزيمة وصدق الإيمان وحسن الثقة بالله تعالى، ومن قبل ذلك وبعده «التوفيق الإلهي».

نعم سيذكر تاريخنا العربي -كما يقول الصحفي الكويتي أحمد الجار الله- «أن عربياً من هذا الخليج المعطاء، غامر فغلب الشدائد والمكائد، وانتصر في حل قضية ظن العالم كله أن أطراف الصراع فيها لن يلتقوا، وإن التقوا لن يتفقوا. لقد اجتاز أمير دولة قطر الشيخ حمد ورجاله أمواج غضب الذين استعدوا لقتل بعضهم بعضاً، وأطفأ نار الفتنة، ألا لعنة الله على الفنتة ومن أيقظها، سيتذكر الشعب اللبناني بكل مكوناته دولة قطر ذات الفعل الدبلوماسي الأكبر من الواقع الجغرافي، وسيصبح اتفاق قطر توأماً لاتفاق الطائف، سيتذكر من خلالها اللبنانيون جهود أبناء الخليج في بلسمة جراح الأشقاء في لبنان». نعم إنه قدر أهل الخليج وهو دور الخليج الذي حباه الله بقادة حكماء وأنعم عليه بالموارد والثروات وحفظه من المخاطر والأطماع وجنّبه سيئات وسوءات الشعارات القومية الفارغة وحصّنه أمام غزو الفكر الشمولي المتسّلط بوجوهه الثلاثة: البعثي والشيوعي والإسلام السياسي، إنه الجزء الصحي والحيوي في الجسد العربي العليل -طبقاً لمقولة عبدالله بشارة- ولذلك هو المؤهل اليوم للقيام بدور المساعي الحميدة في حل الأزمات العربية لإصلاح ذات البين التي فسدت وأفرزت أوضاعاً متردية يشقى بها العرب جميعاً، بنجاح قطر في حل المعضلة اللبنانية اتجهت الأنظار إلى الخليج لتفعيل دوره في الوساطة العربية فقد أصبح «اتفاق الدوحة» أنموذجاً للمصالحات العربية، وعلى الخليج أن يقف إلى جانب أشقائه ويمد لهم يد العون والدعم ليحلوا مشكلاتهم، ذلك جزء من واجب الشكر لله على نعمه وأعظمها نعمتا «الأمان»و«الاستقرار» اللتين ينعم بهما الخليج الذي أصبح حلم ومطمح كل عربي ينشد «الكرامة» و «الأمان».

ولم يكن «اتفاق الدوحة» مثل غيره من الاتفاقيات والتوصيات الختامية للمؤتمرات والندوات، «حبراً» على الورق ولم يكن مجرد ترضية دبلوماسية شكلية للدولة المضيفة قطر كما حصل بين الفرقاء الفلسطينيين في اليمن، ولم يكن اتفاقاً قائماً على شعارات رنانه للاستهلاك الجماهيري، إنه اتفاق «حقيقي» و«جدّي» بل هو أول وأسرع اتفاق عربي يؤتي ثماره سراعاً، فما إن زفّ سمو الأمير بشرى الاتفاق للعرب وللعالم أجمع حتى وجدنا «المعتصمين» الذين نصبوا خيامهم «18» شهراً، يبادرون فوراً بإزالتها ليعودوا إلى بيوتهم وشاهدنا الحواجز الإسمنتية ترفع والأسلاك الشائكة تنزع وتعود الحياة الطبيعية إلى وسط بيروت التجاري والذي كان مشلولاً منذ ديسمبر 2006. نعم لقد كان الاتفاق أشبه بالسحر الحلال، لقد اختفت كل مظاهر الاعتصام وشجرت الحدائق وزرعت الورود وعادت الطيور تغرّد وفتحت المطاعم والمتاجر وانتعشت الآمال بموسم سياحي عامر.

وثاني مؤشرات جدية الاتفاق أن الفرقاء ما إن انقلبوا إلى أهاليهم وأنصارهم حتى شمّروا ساعد الجد والتزموا بتنفيذ ما اتفقوا عليه، وهو أول بنود الاتفاق وتم انتخاب الرئيس التوافقي العماد ميشال سليمان بأغلبية ساحقه «118 صوتاً من 127» كما تم اختيار السيد فؤاد السنيورة رئيساً للحكومة. وقد تمت هذه الأمور الشائكة في مدة زمنية قصيرة... ألم أقل إنه اتفاق أشبه بالسحر؟! ولم يكن تنصيب الرئيس اللبناني حدثاً عادياً بل صاحبته تظاهرة عربية ودولية غير مسبوقة في تاريخ لبنان، وقد حضر سمو الأمير حفل التتويج وألقى كلمة بليغة أقتبس منها هذه الكلمات الرائعة «إن هذه الأزمة الأخيرة انتهت فعلاً بغالب ومغلوب، الغالب هو لبنان والمغلوب هو الفتنة» وفي تواضع بالغ وإنكار لإظهار الذات قال «وأريد أن أكون واضحاً ومحدداً فأقول إن لبنان وأنتم من صنعوا ذلك النجاح في الدوحة» ولم ينس -حفظه الله- التذكير بجهود الآخرين السابقة على حوار الدوحة موضحاً جهود القوى العربية الأخوية الكريمة وجهود المؤسسات الإقليمية، وأن تلك الجهود خطت خطوات بناءة حتى إذا لم تتبق إلا لمسة أخيرة. قدر عليها الشعب اللبناني عبر زعمائه وقياداته، وكان شرفاً للدوحة أن تكون تلك اللمسة الأخيرة في ظل الرعاية القطرية.

إن مساعي أمير قطر في خدمة السلام لم تقتصرعلى حل أزمة لبنان بل شملت أزمات عربية عديدة، منها: أزمة الشمال والجنوب في السودان، ومشكلة الحوثيين في اليمن، والمشكلة الفلسطينية، كما لا ننسى مساعيه الحميدة في حل مشكلة الممرضات البلغاريات في ليبيا، غير زياراته العديدة إلى المناطق المنكوبة في مختلف أرجاء العالم ومد يد العون والمساعدة وإعادة الإعمار وتكفله ببناء المدارس والكليات والمساكن والمستشفيات للمحتاجين والمتضررين.

إن تكريم المجتمع الدولي ممثلاً بمؤسسة «نوبل» لأمير قطر إنما هو تكريم لجملة من المعاني السامية في الوفاق والمصالحة والتسامح والسلام والتعاون والمحبة والإخاء الإنساني، وهو -أيضاً- تكريم لأهل الخليج خاصة والعرب عامةً.

إن جائزة نوبل للسلام، تكريم مستحق لأمير دولة قطر تقديراً وتكريماً لجهوده في خدمة السلام العالمي.

* كاتب قطري

بالمشاركة مع «الوطن» القطرية