Ad

علينا الاعتراف بأننا «شيعة وسنّة» نزداد كل يوم تعصباً وجهلاً وانغلاقاً، ولدينا نظرة إقصائية إلغائية تنظر بها كل فئة تجاه الأخرى، لا تنطقها الألسنة في كثير من الأحيان لكن تظهرها المواقف والأحداث والخطوب.

المواطنون الشيعة في منطقة عبدالله المبارك، يريدون بناء مسجد شيعي يصلّون فيه وفق مذهبهم الذي يؤمنون به وخلف إمامهم الذي يرتضونه، وهذا من أبسط حقوقهم كمواطنين، لكن الرفض يأتيهم دائما بحجج متعددة، قيل، إن موقع المسجد الذي تم تحديده يمر فوق خطوط أنابيب النفط، وإن في ذلك خطورة كبيرة على المصلين، وهذه مشكلة فعلا، وقيل أيضا، إن بعض المواطنين السنّة اعترضوا على بناء المسجد قريبا من منازلهم، وهذه مشكلة أكبر من سابقتها!

لا تستعجلوا في إصدار الأحكام، فهذه قضية لا مكان للأبرياء فيها، وكل أطرافها مذنبون بشكل أو بآخر وبدرجات متفاوتة، فالحكومة التي خصصت هذه المنطقة لسكن مواطنيها بعد طول انتظار، لم تنتبه إلى قربها من خط الأنابيب الذي يحيطها من الجهة الغربية، الأمر الذي حرم قاطنيها من منفذ لهم على الدائري السابع، وهو ما طالبوا به وزارة الأشغال منذ 4 سنوات من دون أن تجد حلا للأمر، على أي حال، هذا شيء غير مستغرب من حكومة تسير الأمور في كثير من وزاراتها وإداراتها على البركة!

فوزارة الإسكان التي تولت تخطيط هذا المشروع الإسكاني المكون من 9 قطع و5000 قسيمة، يعيش فيها أكثر من 40 ألف مواطن سني وشيعي، قامت بتخصيص 3 مساجد للسنّة في كل قطعة وبمجموع كلي بلغ 27 مسجدا، في الوقت الذي لم تقم ببناء مسجد واحد لإخوتهم الشيعة، وكأنهم غير موجودين على خريطة هذا الوطن ولا يشكلون 25% من مواطنيه تقريبا، لقد قاموا بإخراجهم من الحسبة بكل بساطة!

والمواطنون السنّة الذين اعترضوا على بناء مسجد شيعي في المنطقة، تصرفوا مع الأمر بكثير من التطرف والأنانية وبشيء من السذاجة، وكأنما سيُبنى في المنطقة معبد وثني لعبادة الأصنام، لا مسجد لطائفة إسلامية تؤمن بـ«لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ولا تختلف عن طائفتهم إلا باختلافات فقهية اجتهادية، وبتفاصيل، لا يجوز أن تفسد للود قضية أو تخرج أحدا من الملة، لكن للأسف، قليل هم الذين يدركون ذلك!

أما الإخوة الشيعة، فرغم شرعية مطلبهم فإنهم لا يختلفون كثيرا عن إخوتهم السنّة في تشددهم، فإصرارهم الدائم على إقامة الصلاة في مسجد شيعي هو إقرار خفي بأن المسجد السنّي لا تتوافر فيه الشروط الكافية لقبول الصلاة، وأنها لا تجوز خلف إمام سنّي، مع أنهم يصلون جنباً إلى جنب مع إخوتهم السنّة في المسجد الحرام، لكنهم حين يعودون إلى أرض الوطن يتجهون إلى الصلاة في مسجد شيعي يبعد عن مساكنهم عشرة كيلومترات رغم وجود مسجد سني لا يفصلهم عنه سوى أمتار قليلة!

علينا الاعتراف بأننا «شيعة وسنّة» نزداد كل يوم تعصباً وجهلاً وانغلاقاً، ولدينا نظرة إقصائية إلغائية تنظر بها كل فئة تجاه الأخرى، لا تنطقها الألسنة في كثير من الأحيان لكن تظهرها المواقف والأحداث والخطوب، ومن يقول غير هذا الكلام يخادع نفسه قبل أن يخادع الآخرين، وما حكاية هذا المسجد الشيعي إلا دليلا آخر على أننا لا نزال بعيدين عن سماحة الإسلام وقبول الاختلاف فيه، لكن الأمل يبقى معقودا في جهود العقلاء من الجانبين بأن يبادروا في إزالة الحواجز النفسية بين الطائفتين، كما فعل بعض كبار علماء السنّة والشيعة في المملكة العربية السعودية قبل أسابيع، حين صلى كل منهم في مسجد الآخر وخلف إمامه ليشجعوا الناس على ذلك، وحتى يعلم الجميع أن المساجد السنية والشيعية كلها بيوت الله، فهل يفعل علماؤنا في الكويت كما فعل إخوتهم في السعودية، وهل سيأتي اليوم الذي يرتقي فيه مستوى وعينا لنرى الشيعي يصلي في مسجد السني، والسني يصلي في مسجد الشيعي، من دون حرج أو تردد أو شك في قبول صلاته؟!

أعرف أن الأمر يبدو مثالياً وخيالياً بعض الشيء، مع ذلك، آمل وأتمنى أن يصبح واقعا، ولو بعد حين!