آه كم موجع هذا الحب...
هذا ما استنتجته بعد قراءة ديوان «عطش» للحزمة الفنية المبدعة د. عالية شعيب، لمجموعة الفنانين الذين اجتمعوا وانصهروا بها، وذابت ملامحهم في نهرها الجارف. في ديوانها تتزاحم هوياتهم وتعلوا أصواتهم وتلتز وجوههم حتى تضج القصيدة بهم... فيأتي الشعر انسياباً لصوت الشاعر وريشة الرسام... ونحت التشكيلي وروح المتأمل. الديوان جاء كبيراً في حجمه وعدد صفحاته التي وصلت إلى 308 صفحات ومؤلف من جزأين، النصيب الأكبر لديوان عطش كان للجزء الأول. أما الجزء الثاني فجاء تحت عنوان «أتخيل»، وكل ما جاء في الجزأين الأول والثاني هو هذا الحب المتعب الموجع لآخر المدى... وهذا العطاء والذوبان إلى حد التلاشي والتماهي في ذات الحبيب... فلا وجود بعد هذا الوجود، ولا معنى خارج عن هذا المعنى. الدنيا كلها اجتمعت في كينونة المحبوب... لا بعدها ولا قبلها. نحن أمام امرأة حقيقية تعشق حتى النخاع وتذوب في المعشوق ولا تكابر... ترمي كل أوراقها للريح... وتتقبل الحياة والعيش في الحب مع كل الدبابيس والورود والمغارز... فهذا هو قدر المحب حين يدرك بأن لا حياة له خارجاً عن حياة محبوبه... هذا الوضوح في الرؤيا حتى العظم، هذا الإدراك لما تريد الروح ويحيا به الجسد... هذا الاختيار حيرني... وحشر في حلقي الأسئلة... لماذا في الحب طرف مطعون... وطرف طاعن؟ ولماذا المطعون لا يهرب من طاعنه، لماذا لا ينسلخ عن نصله؟ لماذا لا يفر من آهته ويرمي أوجاعه خلف ظهره ويشرق من جديد عافيته؟ ووجدتني أجيب عن أسئلتي هو هذا الاختيار الواعي في قمة صحوة يقول: هذا هو ما أريده حتى وان كان نصله يقطر من دمي. ديوان «عطش» ينضح بالعطش وبصبّار الرغبات اللاهث نحو قطرة ماء تنعشه... شعر ملآن بمفردات «عالية» التي تميزت بها من حركة الهواء، وزيف النجوم، وانتظار الشراشف، ورائحة الزنابق والفل والياسمين والريحان، والنعناع، والزعفران، والبنفسج، الهيل والبن، والبهار، والسكر، والقهوة، والياقوت والجدار، والريش، والمحبرة والفضة، العصفورة والشجرة وقطرة الندى. كلها مفردات عالية التي تأتينا بالطبيعة وبحركتها، وصور الأشياء، والرائحة التي تحاصرنا وتحيطنا بالذكريات وتحيلنا إلى كل ما تبعثه فينا. هذه العالية تخترقنا بشفافية صدقها، وصلابة شجاعتها، ونقائها... حتى لنكاد نشم عبير زهورها، ورائحة النسيم العابر بها، وطراوة الأعشاب، وماهية ألوانها... وخفقة أجنحة النوارس على أمواج البحر. وهذه مقتطفات مختصرة من ديوان «عالية شعيب» عطش الصادر في 2008. • وأبقى خارج نافذتك / مجرد بردِ عصفورٍ / مجرد طفلةٍ جائعةِ لكسرةِ خبز. • أحتاجُك / لأكللّ هذا الخراب بوردةٍ. • وأنا... / كقطرةِ ندى وحيدةٍ / على مقبض بابك / تنتظر. • قلبي في الزاوية «بردان» / لم يزل / يتعافى من لطمة الباب / حين خرجت. • وحده كأس الماء الذي منه شربت / استمع لبكائي تلك الليلة. • اذهب / سأحتضن حرير وسادتي / وأعقد رائحتك كوشاح من أنين. • تنهد الليلُ / استراحت الظلمةُ / وظلت النجمةُ الوحيدةُ في سقف الغرفة / تنوحُ بصمت. • أخذت روحي / وتركتني / كشجرة ابيضّت من فرط الذهول! • متشبعةٌ وحشتي / كظلٍ تائهٍ / كصدى كفَّ عن الرنين. • صدرك منزلي / لماذا يكابر السؤال؟ • قلبي يُغلق بوابته / وأنت عالقٌ في طرف تنهيدةٍ / لا أمل لها في الوصول. • تشيل أمسي / على كتفك الأيمن / كوجع مهمل منسي. • ليس سوى مطرقة الشوق / تطرقُ نبضي / تشحذ سكينها / على عنق اللحظة. • جسدي يمشي بعيداً عني / يتركني في الخلف كمزقِ خِرَقَ.
توابل - ثقافات
ظمأ... لا ماء يروي عطشه
26-05-2008