لا يمكن وصف التحركات التي أقدم عليها أعضاء السلطة القضائية في الأسابيع الماضية سوى «بالثورة القضائية»، والتي كانت تهدف إلى لفت الأنظار الى الحال التي يعيشها القضاء الكويتي، ولجأ القضاة لتحقيق مطالبهم إلى محكمة التمييز، عبر مقاضاة سمو رئيس مجلس الوزراء وزير العدل، ورئيس مجلس الخدمة المدنية، وذلك لنيل حقوقهم المشروعة والتي نص عليها الدستور، وللأسف حظيت مطالب أعضاء السلطة القضائية بدعم من السلطة الرابعة ممثلة بالصحافة، بعدما كان متوقعا ممارسة أعضاء مجلس الأمة لضغوط على الحكومة من أجل إقرار مطالب أعضاء السلطة القضائية، إلا أن مطالب النواب جاءت متأخرة لكون القضاة خارج الحسبة الانتخابية! هذه الثورة الصحية والتي كان هدفها الإشارة إلى الوضع المأساوي الذي تعيشه السلطة القضائية لا يمكن لها أن تمر مرورا سهلا على السلطة التنفيذية، والتي يتعين منها أن تعي الواقع القضائي بحلوه ومره وبحقيقته، وأن تدرك أن القضاء سلطة وليست أحد مرافق وزارة العدل، ويتعين اعتمادها كسلطة حقيقية وليس اعتمادها كسلطة لحل خلافات السلطة التنفيذية مع التشريعية، الأمر الذي يتطلب الاعتراف بها كسلطة بشكل حقيقي من دون لبس أو غموض، وهذا الاعتراف يتمثل في موافقة الحكومة على قانون السلطة القضائية المعروض حاليا أمام اللجنة التشريعية. وفي المقابل يتعين على مجلس القضاء ان يبذل جهودا مضاعفة خلال الأسابيع المقبلة من أجل إقرار قانون السلطة القضائية، فضلا عن تكثيف الضغوط على مجلس الوزراء من أجل توفير مبان للمحاكم تليق بأعضاء السلطة القضائية بدلا من المباني الحالية، والتي لا تصلح لسكن «العزاب»، وخير دليل على ذلك محكمة الجهراء التي لا يمكن وصف مبناها سوى بالمبنى الكارثي! على الرغم من أن مبنى «الرقعي» ليس بأفضل منه لأنه هو الآخر «رايح فيها»، ولا يصلح لأن يكون مبنى للمحاكم، كما أشار المستشار فيصل المرشد في مقابلته مع «الجريدة» عندما فتحت ملف القضاء الكويتي: «شخصيا أتمنى الإسراع في إنجاز قانون السلطة القضائية الذي سيعيد الى القضاء الكويتي حقه الطبيعي في الاستقلال الكامل وفق ما أراد له الدستور، لأني لا أرى مبررا لاستمرار التدخل غير المباشر في الشأن القضائي، حتى ولو كان من باب الإشراف الإداري والمالي، الذي بنظري هو أسوأ أنواع الإشراف، ويحد بشكل حقيقي من مفهوم الاستقلال، لأن الامر ببساطة يكمن في أن تعيين القاضي وترقيته وصرف رواتبه ومكافآته وإنهاء حياته القضائية يكون بيد وزير العدل، وأتمنى الإسراع في القانون لإنهاء ذلك التدخل الذي كان محل استغلال لبعض الوزراء في السنوات الماضية برغبتهم لدواع انتخابية وفتح باب القبول في النيابة العامة، والبعض الآخر ولخلل في تركيبته الشخصية ألغى إحدى اللجان الكبرى التي يتولى إدارتها أعضاء من مجلس القضاء!، سيكون قانون السلطة القضائية ليس انجازا يسجل لمجلس الأمة الكويتي فقط بل إنجازا للكويت بأن أعطت قضاءها استقلالا كاملا، وسيجعلني كقانوني أفخر بهذا القانون وكمواطن أفخر بدستوري الذي وضع للقضاء سلطة كما أراد لها». في الختام أتمنى ألا يهدأ القضاء الكويتي في تحريك مطالبه وأن يكون ملحا وعجولا في السؤال عنها بهدف الإسراع في تحقيقها، فنظرية السكوت التي اتبعها القضاء طوال الـ50 عاما الماضية لم تعد مفلحة، لان المثل يقول «ما ضاع حق وراءه مطالب» فلا تهملوا مطالبكم ونحن معكم، وسيذكر التاريخ يوم 28 من ديسمبر الماضي عندما أودع 66 وكيل نيابة دعواهم ضد رئيس الوزراء وتبعهم القضاة في منتصف يناير الماضي بعدد 112 قاضيا للحصول على مطالبهم.
مقالات
مرافعة ثورة 28 ديسمبر... قضائية!
08-02-2009