محاكمات تاريخية

نشر في 02-03-2009 | 00:00
آخر تحديث 02-03-2009 | 00:00
 أ.د. غانم النجار الأسبوع الاول من مارس هو موعد العالم مع محاكمتين تاريخيتين، يفصل بينهما بضعة كيلومترات في مدينة لاهاي الهولندية.

ففي الاول من مارس تبدأ المحكمة الخاصة بموضوع اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري، وبعدها بثلاثة ايام اي في الرابع من مارس تنظر المحكمة الجنائية الدولية في طلب المدعي العام الدولي باصدار امر بالقاء القبض على الرئيس السوداني عمر حسن البشير.

وبغض النظر عن الموقف السياسي من كلاهما أو أي منهما، فان ذلك لا يقلل من القيمة التاريخية لهما. الا انه بالمقابل فهناك فوارق كبيرة بينهما.

فمحكمة الحريري انشأها مجلس الامن الدولي، وهي سابقة تاريخية، وبالتالي فانه لا يمكن اغفال بعدها السياسي، على الرغم من كل الجهد الذي بذل في صياغة نظامها الاساسي، وتشكيل هيئتها القضائية التي تتشكل من 12 قاضياً منهم 4 قضاة لبنانيون بالاضافة الى ان نائب المدعي العام لبناني ايضا، وهي محكمة تتجاذبها الاطراف السياسية داخل لبنان، ولذا لم يكن مستغربا اعلان قوات الامن الداخلي اللبنانية حالة الاستنفار القصوى بنسبة مائة في بالمائة تحسباً لأسوأ الاحتمالات كنتيجة لقرار تسليم ضباط امن لبنانيون للمحكمة، حيث انهم ظلوا محجوزين لمدة طويلة على ذمة التحقيق، اما وقد انتهى التحقيق وانهى القاضي الكندي، المدعي العام بلمار تحقيقه فانهم من المفترض تسليمهم للاهاي. ويعد من ابرز جوانب القصور في تلك المحكمة انها لا تتعرض بشكل كاف او شمولي مع الكثير من الجرائم السابقة في لبنان والتي أفلت المجرمون فيها من العقاب.

اما محكمة الرئيس البشير فهي قد انشأت من خلال اتفاقية روما عام 1998، وهي ذات اختصاص عمومي بجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجرائم الابادة الجماعية، فهي ليست مخصصة لشخص بعينه ومن المتوقع ان تتم محاكمة شخصيات اخرى قريبا. وفي حالة اصدار المحكمة مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني، فان الضغوط على السودان ستتزايد، وبموجبها سيصبح تحرك الرئيس السوداني محدود، بل ومقيدا، وربما لن يستطيع السفر كيفما شاء الا للدول التي تعلن عدم التزامها أحكام المحكمة وهي مسألة بالغة التعقيد، ولعله آن الاوان للحكومة السودانية ان تغير من اسلوبها في التعامل مع المحكمة، قبل ان يصبح الوقت متأخرا جدا، ولم يعد كافيا القول بان السودان لم تصادق على اتفاقية روما، حيث توجد المداخل المرنة وعلى رأسها صلاحية مجلس الأمن تأجيل تحريك القضية لمدة شهر.

حدثان تاريخيان دوليان، لا يفصل بينهما الا ثلاثة ايام ولكنهما يظلان مهما قيل من قصورهما، يؤشران باتجاه ان التحرك الدولي لعدم السماح بالافلات من العقاب قد بدأ، وهو انجاز تاريخي بكل المقاييس.

ويبقى المحك في درجة وامكانية الفصل بين الانساني والسياسي، وهي معركة مفتوحة ومستمرة، بين من يرى الاولوية لكرامة الانسان وحمايته من الاذى والقهر والابادة من جهة وبين الذين يريدون استغلال هذه الانجازات التاريخية لخدمة توجهاتهم ومصالحهم، فيغوصون في وحل التسييس.

back to top