مأساة القضية الفلسطينية

نشر في 17-05-2009
آخر تحديث 17-05-2009 | 00:00
 صالح القلاب وكأنه لا يكفي أن يكون هناك هذا الانقسام الشاقولي في الوضع الفلسطيني، الذي يقف عند أخطر نقطة في هذا المنعطف التاريخي حقاً وبالفعل، فبالإضافة الى الانشقاق بين حركتي فتح وحماس، وإقامة دولة هزيلة في غزة، إلى جانب دولة الضفة الغربية الأكثر هزالاً ها هو داء تصادم المصالح والدوافع الشخصية يضرب المجموعة الفتحاوية المحيطة بالرئيس محمود عباس (أبومازن) الذي لا يُحْسد على هذا الموقع الذي اضْطُرَّ الى احتلاله كانتحاري ما كان يعتقد أنه سيضطر الى ما اضطر إليه.

كان مجيء سلام فيَّاض، الذي لا خلاف إطلاقاً على كفاءته وحياديته ونظافة يده وعفة لسانه، وتكليفه برئاسة الحكومة الفلسطينية بمنزلة خشبة خلاص لحركة فتح أولاً، مع أنه ليس عضواً فيها وثانياً للحالة الفلسطينية البائسة التي ازدادت بؤساً بعد ان انْثقب الدفُّ وتفرق الخلان وقامت «حماس» بذلك الانقلاب الدموي المخزي، وأقامت دولة في قطاع غزة الذي غدا يشبه مقبرة دارسة تضم كل يوم أجساداً جديدة بسبب الحصار والقتل والأمراض والمسغبة و»التعثير».

لكن نفراً من «فتح» لم يعجبه هذا فبدأ منذ اليوم الأول الذي جاء فيه هذا الرجل، الذي لم يكن يبحث لا عن موقع ولا عن وظيفة والذي قَبِل أن يصبح رئيس حكومة في منطقة محتلة وممزقة وتعاني أمراضا وأوجاعا كثيرة كمتطوع وبدافع وطني، بالمشاغبة وبالألاعيب «الميليشياوية» التي تنقلت مع الحالة الفلسطينية، التي هي أغرب حالة عرفها العالم، من بلد الى بلد آخر وعرفت منافيَ ومهاجر كثيرة.

لا أكثر بؤساً من ركاب مركب أخذوا يتشاجرون ويمسك بعضهم بشعر رؤوس بعض، بينما انكسر مركبهم تحت ضغط الأمواج العاتية وأخذ يغرق، إذ بعد ان كلف محمود عباس (أبومازن) رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض ترميم حكومته اندفعت دبابير «فتح» بالخروج من جحورها، وأخذت تشتم وتهدد وتتوعد وتضع العصي في الدواليب، وكأنه لا يعني هؤلاء أنه حتى يستطيع رئيسهم الذهاب الى واشنطن لابد أن يشكل حكومة برئيس مقبول، ولابد ان تظهر الحالة الفلسطينية ولو من حيث الشكل بهيئة غير هذه الهيئة الحالية المزرية.

كان الله في عون الشعب الفلسطيني الذي ابتلي منذ بداية قضيته بقيادات أقلُّ ما يمكن ان يقال فيها: «رؤوس مؤتلفة وقلوب مختلفة»، ولعل ما يدعو الى ما هو أكثر من الأسف ان كل التضحيات العظيمة التي قدمها هذا الشعب المكافح والمجاهد كلما اقتربت من ان تؤتي أكلها يدب الشقاق والنـزاع بين قيادات وتنظيمات وفصائل حركته التحررية فتضيع فرصة تاريخية، ويبدو ان هذا هو ما يجري الآن، بينما الظرف الذي تمر به هذه القضية من أدق وأخطر الظروف.

لم تُسفر حوارات القاهرة الماراثونية بين حركتي فتح وحماس، التي شارك فيها ثلاثة عشر تنظيماً «لا طرح الله بها البركة»، عن أي شيء، والمؤسف أنه عندما يئس محمود عباس (أبومازن) من هذه الحوارات والمفاوضات، وحاول ترقيع الحالة الفلسطينية من خلال ترقيع حكومة سلام فياض التي هي حكومة تصريف أمور بالأساس ليستطيع الذهاب الى واشنطن بأقل الصور بشاعة انطلقت عليه السهام من جعبته، وكأن هناك دعوة ربانية بأن يبقى هذا الشعب ضياع فرص الى يوم القيامة!

 

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

back to top