بداية دور الانعقاد الجديد هذا الأسبوع لا تكاد تختلف عن سوابقها، فالتلويح بالاستجوابات هي ذاتها التي نسمعها منذ سنوات وتقوى وتيرتها مع بداية دور الانعقاد لتصل ذروتها في ديسمبر مع تقديم أول استجواب.
الممتع في لعبة الترقب النيابي هو أنك لا تعرف لمن سيكون أول استجواب، فثمة سباق خفي يدور بين النواب حول من يقدم استجوابه أولاً، علاوة على بعض النواب الذين لا يهمهم أي وزير يتم استجوابه أولاً طالما كان هو ضمن المستجوبين، فتراه يتقصى الأخبار حول أي استجواب مرتقب. في دور الانعقاد الحالي، لدينا وزير النفط يواجه سباقاً نيابياً من النواب السلف وآخرين لاستجوابه بسبب المصفاة الرابعة وربما حملة ترشيد، ووزير التجارة مهدد بالاستجواب- ولا يهم الموضوع- لأن جماعته سيستجوبون وزير النفط، فيما سنكون على موعد مع استجواب السهرة في الجزء الثاني من استجواب وزيرة التربية والتعليم العالي نورية الصبيح، ومن المرجح أن يكون الجزء الثاني «أقوى» من الأول لدخول أطراف جديدة. وفي الوقت نفسه هناك من يلمح باستجواب وزير الصحة- والموضوع أيضاً غير مهم- بسبب التعيين المرتقب لوكيل الوزارة، بالإضافة إلى استجواب وزير الداخلية الذي لم يتم في الفصل التشريعي السابق على خلفية قضية التجنيس التي قد تطاول هذه المرة رئيس الوزراء الذي بدوره يواجه استجواباً بسبب المصفاة الرابعة ومصروفات ديوانه. العامل المشترك بين هذه الاستجوابات هو أنه ليس من المهم أن تعرف سببها، «فياما» في الوزارات تجاوزات... وما على النائب إلا اختيار الوزير وستتقاطر عليه المعلومات من أبناء الحلال دون أن يبحث عنها. إلا أن مربط الفرس لا يكمن في مادة الاستجواب بل في كيفية التعامل الحكومي مع هذه الاستجوابات، ففي الغالب ستحاول الحكومة أن تتجنبها، ويذهب الحديث لدى البعض إلى أبعد من ذلك إلى حد التكهن بلجوء السلطة إلى حل المجلس دستورياً أو حتى بشكل غير دستوري... وهنا تكمن المشكلة.لقد اعتاد النظام في الكويت في العديد من الأحيان على مدى الحياة الدستورية تجنب «المشاكل» والسعي إلى «الهدوء»، فتجارب حل المجلس الأولى في 1976 و1985 وتزوير انتخابات 1967 هي محاولات لتجنب الاحتكام إلى أدوات الدستور كالاستجواب أو الرقابة النيابية بأشكالها كافة، وهو ما ساهم في تأخير عجلة التنمية الديمقراطية- إن صح التعبير- في البلاد. فلم نرَ رئيساً للوزراء يصعد على منصة، ولم نرَ وزيراً تُطرح فيه الثقة في جلسة رسمية ويخرج من الوزارة، وهي أمور تنم عن عدم ثقة- من جانب السلطة على الأقل- بالنظام الدستوري وآلياته، وهو ما يعوِّد السلطة اليوم على تجنب هذه الأزمات، وهو ما يعني أننا ببساطة لن نتقدم.نحن نعلم المخاوف الموجودة لدى السلطة من صعود رئيس وزراء من ذرية مبارك الكبير إلى المنصة وإمكان وصول ذلك إلى طرح عدم التعاون مع الحكومة، وبالتالي طرح الثقة في رئيس الوزراء، إلا أن هذا الأمر يأتي من ضمن المسمى الوظيفي وأعباء مهنة رئيس مجلس الوزراء أو أي وزير آخر. فتماماً مثلما نرى موظفي الدولة معرضين للجنة تحقيق في عملهم وتقارير سنوية تقيِّم أعمالهم، فكذا رئيس الوزراء والوزراء، وللحكومة أن تستعمل وسائلها الدفاعية كافة لـ«إنقاذ» رئيس الوزراء أو أي من وزرائه، إلا أن عدم خوض تجربة الاستجواب والجزع منه هو ما يساهم في تضخيم أي استجواب يقدّم لأي وزير، لأنه أصبح أمراً غير عادي في سياستنا المحلية، رغم أن الدستور وضع الاستجواب كإحدى أدوات الرقابة المتاحة، وهو أمر طبيعي في السياسة.قد لا أحب أن أرى رئيس وزراء مطروحة فيه الثقة، خصوصاً إن كانت كيدية وعلى وزن التصيّد، لكن هذه هي حقيقة نظامنا وهكذا يجب أن يكون، حتى إن سُمي ذلك توتراً، فعلينا أن نعلم أننا مازلنا حديثي العهد- نسبياً- بالديمقراطية، خصوصاً أننا لم نستخدم أدواتها كافة، ولن تقوم الديمقراطية وأدواتها بشكل سليم حتى تفعَّل هذه الأدوات، فهناك نزعة، بشرية ربما، في أن ندفع الحدود بالقيود... وهو أمر قد يدفع بنا إلى «التوتر» إلا أننا يجب أن نعلم أن تقدم الأمم لا يأتي إلا على أنقاض التعلم من الدروس، ولن تصبح سياستنا أفضل حالا إلا بعد أن تسوء، وهي حقيقة مرّة لكنها حقيقة... وربما يكون الضحية في ذلك ناصر المحمد أو محمد العليم أو أحمد باقر أو نورية الصبيح.الولايات المتحدة الأميركية دخلت في حرب أهلية حتى استوعبت درس دستورها، فرنسا دخلت في عهد دكتاتوري بعد دستورها وأنشأت جمهوريات عدة حتى استوعبت درس دستورها، فهل نستكثر استجواباً لأي كان في الحكومة حتى نستوعب درس دستورنا؟
مقالات
الثقة بالنظام
22-10-2008