لماذا يا شيخنا؟!
منذ حوالي شهر أطلق الأستاذ الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي قنبلة دخانية أدمعت عيوننا وألهبت صدورنا، وجعلت الجميع يبكون ويسعلون، وانتشر الرذاذ في كل مكان، وخرجوا يبحثون عن هواء نقي يستنشقونه بعيدا عن الدخان. كانت القنبلة –كما قال خبراء القنابل عن مكوناتها- تحذر من المد الشيعي الإيراني وتغلغله وانتشاره وسط البلاد السنية.
بداية لا أدري لماذا اختص الشيخ القرضاوي المد الشيعي الإيراني ولم يقل مثلا المد الشيعي البحريني أو العراقي؟ فهل فاته ذلك؟ أم أنه يرحب مثلا بالمد الشيعي اللبناني ويرفض الإيراني؟ أم أنه خلط بين المذاهب الدينية والاتجاهات السياسية، ولنفترض أن إيران لم تكن على خلاف مع جيرانها، وكانت مطيعة لأوامر سيد البيت الأبيض، فهل كان الشيخ سيطلق تلك القنبلة الدخانية أم ماذا؟ ألم يدر في خلد الشيخ أنه من نفس المنطق الذي يتحدث به (الخوف من الامتداد والتغلغل المذهبي بين أنصار مذهب آخر) يمكن لشيوخ المغرب العربي أصحاب المذهب المالكي التحذير من المد الشافعي والحنفي القادم من مصر؟ أليس من حق فقهاء الجزيرة الملتزمين بالمذهب الحنبلي رفض المد التبشيري المالكي والشافعي ومنع دخولهم إلى أراضيهم مثلا؟ فلماذا يا شيخنا هذه القنابل الدخانية التي أدمعت العيون وضيقت الصدور وكتمت النفوس وأبكت القلوب؟ ولماذا لم توجه دخان قنبلتك إلى أصحاب ديانات أخرى هم أولى بها، ويعلنون صباح مساء أن فلسفة دينهم تقوم على التبشير بين الأديان الأخرى، ويقومون به في كل وقت؟ لا أريد -يا شيخنا- موافقة صديقي الذي يدعي أنك لا تستطيع ذلك ولا تقدر عليه، إنما أقول لك إنك وجهت قنبلتك للحلقة الأضعف كما تراها، فهل هذه هي الحقيقة أم ماذا يامولانا؟ والغريب أن الأستاذ الدكتور الشيخ قال في رده على الرافضين لقنبلته المحبين له والعاتبين عليه إن ما قاله إنما لنصرة الله ودينه، ورجعت إلى القرآن الكريم أبحث فيه عن السني والشيعي فلم أجد سوى قوله تعالى: «إن الدين عند الله الإسلام» صدق الله العظيم آل عمران (19). آية فاصلة قاطعة لا تأويل ولا تحريف، ولم يتبعها جل شأنه بنعت السني أو الشيعي، فلم تذكر الآية أن الدين عند الله الإسلام السني أو الإسلام الشيعي، حاشا لله. والإسلام كما علمتنا -يا شيخنا- بُني على خمس من التزم بها فهو مسلم مؤمن، وهذه الأركان ليس بينها أن تكون سنيا أو شيعيا، ولكنها مذاهب أنت أعلم بها وبأمور اتفاقها واختلافها، فلماذا يا شيخنا؟ لماذا الآن تطلق هذه القنبلة الدخانية وأنت من ذكرت وشرحت أكثر من مرة قول الإمام الشافعي «لنتحاور فيما اتفقنا فيه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا عليه» أليس هذا هو الطريق القويم لنصرة الله ودين الإسلام أمام أعداء الدين الحقيقيين الذين يتربصون بنا ويفرحون لخلافاتنا؟! للأسف يا شيخنا لا أرى من وراء الدخان سوى لعبة السياسة وألاعيبها واختلاف المصالح و تقاطعاتها، ورحم الله من قال «لعن الله الساسة والسياسة وساس ويسوس والألف والسين»، ومن قال: «الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها». فاللهم لا تجعلنا من الملعونين، واجعلنا من المؤمنين المقبولين، آمين، آمين.