طاولة للدول الاستبدادية
شأني شأن المواطنين كافة في أذربيجان، والصين، وكوبا، وروسيا، والسعودية، أعرف شعور العيش في بلد حيث تراقب فيه الدولة الخطاب العام، وتقمع المعارضة، وتكتم حرية التعبير.
تصوّروا انتخابات، النتائج فيها معروفة مسبقاً بشكل واسع، والمرشحون فيها يُشاع عنهم أنهم غير أكفاء، فكل عملية تصويت ديمقراطية على ما يُفترَض تجرى بهذه الطريقة قد تُعتبر مهزلة، لكن الجمعية العمومية للأمم المتحدة تخوض «انتخابات» مماثلة حين ستصوّت على ملء المناصب الشاغرة في مجلس حقوق الإنسان المؤلّف من 47 عضواً.تترشح 20 دولةً فقط للمقاعد الثمانية عشرة المفتوحة، وتنقسم هذه المقاعد بين المناطق الجغرافية الخمس في العالم، وقد قدمت ثلاث من أصل المناطق الخمس العدد عينه للدول المرشّحة والذي يتساوى وعدد المقاعد، ما يضمن بالتالي عدم إمكان اختيار أفضل الدول المؤيدة لحقوق الإنسان التي يجب على كل منطقة تقديمها.
يبدو أن الحكومات نسيت الالتزام الذي وعدت به منذ ثلاث سنوات فقط بإنشاء منظمة تستطيع تأمين الحماية للضحايا، وتتصدى لانتهاكات حقوق الإنسان أينما كانت.من الشروط المسبقة الأساسية الحصول على أفضل عضوية، فقد أُوقفَت نشاطات لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي سبقت إنشاء المجلس في عام 2006 لأنها سمحت لفترة طويلة لدول تفرط في انتهاك حقوق الإنسان كالسودان وزمبابوي بإعاقة الإجراءات المتخذة بحق انتهاكاتها الخاصة.كان يُفترَض أن يكون المجلس مختلفاً، فقد وافقت البلدان للمرة الأولى على أخذ سجلات حقوق الإنسان في الحسبان عند التصويت لأعضاء المجلس، لكن الدول الأعضاء تلك التي عجزت، بحسب ما جاء في القرار المؤسس، عن «الحفاظ على المعايير العليا في الترويج لحقوق الإنسان وحمايتها» قد تجد نفسها عرضةً للمحاسبة ومقاعدها في خطر. أما بالنسبة إلى ضحايا انتهاكات حقوق الإنسان والمدافعين عن هذه الحقوق في سائر أنحاء العالم، منحت الإصلاحات أملاً بتشكيل هيئة تتمتع بالمصداقية والفعالية. لكن اليوم، يبدو أن النفعية حلّت محل المبادئ، فقد استأنفت الحكومات المتاجرة بالأصوات للفوز بالعضوية في هيئات مختلفة تابعة للأمم المتحدة، مانحةً الأولوية للاعتبارات السياسية على حساب حقوق الإنسان. يدل غياب التنافس بالتالي على أن الدول التي تهتم لحقوق الإنسان لا تبالي بما يكفي، فأميركا اللاتينية، وهي منطقة تضم ديمقراطيات مزدهرة، سمحت لكوبا بتقديم عرضها لتجديد عضويتها. هذا وصادقت البلدان الآسيوية بشكل غير مشروط على الدول الخمس المرشحة للمقاعد الخمس في منطقتها، ومن بينها الصين، والمملكة العربية السعودية.في السنوات الماضية، شجعت الدول الغربية الدول التي تحترم الحقوق من المناطق الأخرى من العالم على الترشح في الانتخابات، وهذا العام، أخْلَت الساحة أمام البلدان الأخرى عبر عرض لائحة غير تنافسية لانتخابات المجلس. فقد انسحبت نيوزيلندا حين أعلنت الولايات المتحدة ترشحها، الأمر الذي أدّى إلى ترشّح ثلاثة بلدان فقط هي بلجيكا، والنرويج، والولايات المتحدة للمقاعد الثلاثة.لكن المنافسة في أدنى مستوياتها حتى عندما تكون مضمونة، ففي منطقة أوروبا الشرقية- التي تتضمن بموجب قوانين الأمم المتحدة البلدان كافة الواقعة خلف الستار الحديدي، بما في ذلك، موطني جمهورية التشيك- البلدان المرشحة للانتخابات الثانية هي أذربيجان وروسيا، التي تتأرجح سجلات حقوق الإنسان فيها بين المشبوهة والرديئة. وحدها المجر تقدمت للتنافس على المقعدين في المنطقة. لكن رفض دول أوروبا الشرقية استعادة القيادة من الدول المنتهكة لحقوق الإنسان لا يوحي بالثقة.شأني شأن المواطنين كافة في أذربيجان، والصين، وكوبا، وروسيا، والسعودية، أعرف شعور العيش في بلد حيث تراقب فيه الدولة الخطاب العام، وتقمع المعارضة، وتكتم حرية التعبير، بالتالي من المحبط بالنسبة إلي رؤية الديمقراطيات في أميركا اللاتينية وآسيا مهيأة للبقاء مكتوفة الأيدي ومراقبة المجلس يفقد المزيد من مصداقيته واحترامه.طلب الناشطون والصحافيون في أذربيجان وكوبا مسبقاً من المجتمع الدولي عدم انتخاب دولتيهم في مجلس حقوق الإنسان، لذلك لا يمكن للدول الملتزمة بحقوق الإنسان وبنزاهة المجلس أن تبقى غير مبالية، وعلى البلدان أن تعبّر عن تضامنها مع ضحايا حقوق الإنسان وتصويب مسار المجلس عبر رفض التصويت للدول التي تنتهك حقوق الإنسان في هذه الانتخابات اللاتنافسية على نحو مخز.فاسلاف هافيل Václav Havel* رئيس جمهورية التشيك الأسبق