Ad

كل معاملة يخلصها النائب، وكل وظيفة مرموقة يوفرها بعلاقاته الخاصة، وكل توسط للعلاج بالخارج لناخب من دائرته من دون استحقاق، هي رشوة غير مباشرة، وشراء للصوت في المستقبل، وكل زيارة- غير بريئة- لدواوين القبيلة والطائفة بنية التحضير لانتخابات قادمة، هي «كلك» وشراء للصوت.

أن يطالب بعض المرشحين الحكومة بمحاربة ظاهرة شراء الأصوات والقضاء عليها، أمر طيب ومطلوب من الجميع، ويصب في مصلحة نزاهة العملية الانتخابية وتحسين مخرجاتها، فالناخبون الذين يبيعون أصواتهم، يبيعون معها ضمائرهم وكرامتهم وعزة نفوسهم، ويبيعون أيضا حبهم وولاءهم وإخلاصهم لوطنهم، مقابل حفنة من النقود سرعان ما تصرف على توافه الأمور، لتذهب بعيدا ويبقى أثرها يلاحق ويؤنب الضمير... إذا افترضنا أن ضمائرهم لاتزال على قيد الحياة!

أما المرشحون ضعاف النفوس، الذين يسعون للوصول إلى كرسي البرلمان بأي شكل من الأشكال، والذين يشترون أصوات بعض ناخبيهم اليوم، فلا خير يُرتجى منهم في قادم الأيام، لأنهم مجرد «نخاس» يستثمرون أموالهم في سوق الرشوة، ليجنوا الأرباح مضاعفة في المستقبل، حين يقايضون أموالهم بكرامة قلة ممن هانت عليهم نفوسهم وهان عليهم الوطن!

ولذلك فنحن نؤيد كل دعوة للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة، ومنع كل مرشح وناخب تثبت عليه تهمة بيع وشراء الصوت، ولكن، لنكن أكثر صراحة مع أنفسنا، ومع الإخوة المرشحين الحاليين والنواب السابقين وجمهور الناخبين المطالبين بالقضاء على هذا الأمر، ولنسأل أنفسنا هذا السؤال: هل بيع الأصوات يجري فقط أثناء فترة الانتخابات، أم أنه عملية مستمرة منذ سنوات طويلة بطرق متعددة ومتنوعة، أبطالها نواب سابقون في مجلس الأمة يقومون بشراء الأصوات- بطرقهم الخاصة- وبرضا ومباركة السادة الوزراء أعضاء الحكومة، وأثناء انعقاد جلسات مجلس الأمة في كثير من الأحيان؟!

فكلنا نعرف أن نواباً سابقين ومرشحين حاليين ممن كانوا يضعون جداول يومية لمراجعة الوزارات، فالسبت للداخلية والأحد للدفاع والاثنين للصحة وهلم جرا، حيث يقومون بتخليص معاملات أبناء قبيلتهم أو طائفتهم أو ناخبي دائرتهم، على حساب مواطن بسيط آخر لا واسطة له، فهل يحق لهؤلاء الآن أن يطالبوا الحكومة بالقضاء على شراء الأصوات؟! وهل شراء الأصوات يتم بالمال فقط، بيد عليا تعطي ويد سفلى تأخذ، المال مقابل الصوت، هل هذه هي الطريقة الوحيدة؟!

لا يا سادة، شراء الأصوات يتم بطرق متعددة وليس بالمال وحده، فكل معاملة يخلصها النائب، وكل وظيفة مرموقة يوفرها بعلاقاته الخاصة، وكل توسط للعلاج بالخارج لناخب من دائرته من دون استحقاق، هي رشوة غير مباشرة، وشراء للصوت في المستقبل، وكل زيارة- غير بريئة- لدواوين القبيلة والطائفة بنية التحضير لانتخابات قادمة، هي «كلك» وشراء للصوت، وكل توسط لمجرم من المجرمين في المخافر، هو شراء لصوته وأصوات أقربائه، وكل مكالمة لدكتور جامعي «حبوب» بهدف رفع درجة طالب من أبناء الدائرة، هو شراء للصوت، وغير ذلك كثير مما لا يعد ولا يحصى، تعددت الطرق والشراء واحد!

ولذلك، فإنه يحق للجميع أن يطالب الحكومة بالقضاء على شراء الأصوات، عدا أؤلئك الذين اختاروا أن يكونوا نوابا للأمة بدرجة «مخلصي معاملات»، فهم غارقون بالفساد حتى أذنيهم، وهم آخر من يتكلم عن شراء الذمم والأصوات، لأنهم أساتذة في هذا المجال!