موت الشأن العام في الكويت
من الخطأ تصوير ما يدور بين البرلمان والحكومة على أنه غاية المطلوب في ممارسة الحرية والديمقراطية، فما يدور اليوم هو مجرد صراع مناطق نفوذ وفساد يشترك فيه البرلمان أحيانا بحسن نية من خلال الخضوع لرغبات الشارع التي لا تصب بالضرورة في مصلحة تطبيق القوانين وتحقيق العدالة.أول العمود: فضيلة الصمت والاستماع خرجت من البلاد.
***سيطرت الحياة البرلمانية، وهي جزء من الحياة السياسية وليس كلها، على معظم مجريات الأمور في الكويت إلى درجة الاستحكام والتوجيه اليومي. ألا تلاحظون في لقاءاتنا العابرة- في مجمع تجاري أو مكان لإنجاز معاملة- بأن الحديث ينقاد فوراً ودون مقدمات عن حال البلد التي صنعها ثنائي الحكومة والمجلس، فليست هناك أحاديث تخرج عن هذا الإطار وكأننا لم نعد نفقه غير لغة البرلمان! مفهوم الشأن العام، أي الاهتمام الشعبي والرسمي في قضايا المجتمع الثقافية والاجتماعية والفنية والتنموية تراجعت لمصلحة مسألة أو اثنتين على أكثر تقدير، المال العام وسرقته والعبث به، ومحاولات التنمية الاقتصادية التي دائما ما تأتي في مشاريع حكومية ملغمة بمنافع لأطراف متنفذة أو لكونها غير مكتملة الجدوى (مشروع داو كيميكال- المصفاة الرابعة- تطوير حقول الشمال). ولم يعد في أحاديثنا أي موضوع يخرج عن إطار ما سبق إلا ما ندر، وفي ظني أن أجواء كالتي نعيشها اليوم في الكويت هي أقرب للمرض منه إلى الصحة، فمن الخطأ تصوير ما يدور بين البرلمان والحكومة على أنه غاية المطلوب في ممارسة الحرية والديمقراطية، فما يدور اليوم هو مجرد صراع مناطق نفوذ وفساد يشترك فيه البرلمان أحيانا بحسن نية، من خلال الخضوع لرغبات الشارع التي لا تصب بالضرورة في مصلحة تطبيق القوانين وتحقيق العدالة.فهل يعقل أن تتجمد أكثر من قضية ومشروع مثل تمكين المرأة، وتطوير الحياة السياسية بأدواتها، واعتماد الخطط التنموية الطويلة المدى، وتغيير مفهوم الأمن ليشمل الجانبين الاجتماعي والاقتصادي، وتقوية منظومة الحريات العامة... هل يعقل أن يتجمد كل ذلك من أجل موضوع المال العام فقط.هناك خلل يجب مراجعته، فديمقراطيتنا توقفت عن التطور منذ سنوات، ولم تعد قادرة عن دعم الحركة الثقافية والعمالية ومراكز التعليم الجامعي والعلمي، ولم يعد الشباب اليوم يعرف ما يريد سوى العيش على مصدر مالي يضمن له تكوين أسرة، وتنتهي الحياة عند هذا الحد بالنسبة لكثيرين منهم.ونسأل هنا ما دمنا نتكلم عن الشأن العام: لماذا كانت الكويت متقدمة بمقاييس المنطقة المحيطة في مجال الأدب والشعر الرياضة والمسرح والنشاط الفني والمدرسي، وبأسئلة أكثر وضوحاً: لماذا لم تعد الكويت تنتج قصيدة وأغنية تحفر في الذاكرة؟ ولماذا لم نعد نستطيع حفظ أسماء جميع لاعبي المنتخب؟ ولماذا اختفى من الساحة السياسية ذلك السياسي القدوة الذي يعمل بعيداً عن الشبهات؟ أين كل هذا؟ وأين الشأن العام؟